بالمسخ ؛ لأنّها كلّها تتضمّن وقوع ذلك على من يستحقّ العقوبة والذمّ من الأعداء والمخالفين.
فإن قيل : أفتجوّزون أنّ يغيّر الله تعالى صورة حيوان جميلة إلى صورة أخرى غير جميلة ، بل مشوّه منفور عنها أم لا تجوّزون ذلك؟
قلنا : إنّما أجزنا في الأوّل ذلك على سبيل العقوبة لصاحب هذه الخلقة التي كانت جميلة ، ثم تغيّرت ؛ لأنّه يغتمّ بذلك ويتأسّف ، وهذا الغرض لا يتمّ في الحيوان الذي ليس بمكلّف ، فتغيّر صورهم عبث ، فإن كان في ذلك غرض يحسن لمثله جاز (١).
ـ (وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً قالُوا أَتَتَّخِذُنا هُزُواً قالَ أَعُوذُ بِاللهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ (٦٧) قالُوا ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما هِيَ قالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّها بَقَرَةٌ لا فارِضٌ وَلا بِكْرٌ عَوانٌ بَيْنَ ذلِكَ فَافْعَلُوا ما تُؤْمَرُونَ (٦٨) قالُوا ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما لَوْنُها قالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّها بَقَرَةٌ صَفْراءُ فاقِعٌ لَوْنُها تَسُرُّ النَّاظِرِينَ (٦٩) قالُوا ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما هِيَ إِنَّ الْبَقَرَ تَشابَهَ عَلَيْنا وَإِنَّا إِنْ شاءَ اللهُ لَمُهْتَدُونَ (٧٠)) [البقرة : ٦٧ ـ ٧٠].
[فسّر السيّد هذه الآيات في موضعين من كتبه ، لا يخلو ذكرهما معا من فوائد ، وهما كالتالي :]
[الأوّل : إن سأل سائل] فقال : ما تأويل هذه الآيات؟ وهل البقرة التي نعتت بهذه النعوت هي البقرة المرادة باللفظ الأوّل والتكليف واحد ، والمراد مختلف والتكليف متغاير؟.
الجواب : قلنا : أهل العلم في تأويل هذه الآية مختلفون بحسب اختلاف أصولهم ؛ فمن جوّز تأخير البيان عن وقت الخطاب يذهب إلى أنّ التكليف واحد ، وأنّ الأوصاف المتأخرة هي للبقرة المتقدّمة ؛ وإنّما تأخّر البيان ، ولمّا سأل القوم عن الصفات ورد البيان شيئا بعد شيء.
__________________
(١) الرسائل ، ١ : ٣٥٠.