[الثالث] : فصل فيما يصح فيه معنى النسخ من أفعال المكلّف
اعلم أنّ معنى النسخ إنّما يصحّ دخوله في حكم مستمرّ ؛ لأنّ ما لا يستمرّ لا يدخل فيه معنى النسخ ، ولا النسخ نفسه.
ولا بدّ أيضا أن يكون ممّا يصح تغيّره بعد استمراره ؛ لأنّه متى كان ممّا يستمرّ على حالة واحدة ، لم يصحّ دخول النسخ ولا معناه فيه.
ويختصّ النسخ نفسه بأن يكون الحكم المستمرّ ثابتا بالشرع ، وكذلك زواله متى زال.
وما يجب استمراره على وجه واحد من الأفعال ينقسم إلى قسمين : أحدهما : أن يكون وجب استمراره لصفة هو عليها ، كوجوب الإنصاف ، وقبح الكذب ، والجهل. والقسم الآخر : لا يجوز تغيّره من حيث كان كونه لطفا لا يتغيّر ، كالمعرفة بالله تعالى وعدله وتوحيده.
والّذي يجوز تغيّره من الأفعال نحو الضرر والنفع والقيام والقعود ووجوه التصرّف لأنّه قد يحسن تارة ، ويقبح أخرى فمعنى النسخ يجوز دخوله فيه.
فأمّا نفس النسخ ؛ فإنّما يدخل فيما تقدّم ذكره فيما ثبت حكمه شرعا ويزول أيضا كذلك.
[الرابع] : فصل فيما يحسن من النهي بعد الأمر والأمر بعد النهي
اعلم أنّ الأمر والنهي لا يخلو من أن يكون متناولها واحدا ، أو متغايرا :
فإن كان واحدا ، فلن يحسنا إلّا على وجه واحد ، وهو أن يأمر بالفعل على وجه ، وينهى عنه على وجه آخر ، وربما كانت وجوهه كثيرة يصحّ أن ينهى عن إيقاعه على بعضها ، أو يأمر بذلك فأمّا إذا تغاير المتناول ؛ فهو على قسمين :
أحدهما : أن يكون المكلّف أيضا متغايرا ، فيحسن الأمر بأحدهما ، والنهي عن الآخر على كلّ وجه ، إذا قبح أحدهما ، وحسن الآخر.