قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ) (١) فأخبر أنّه لا ينفعه الإيمان في وقت الالجاء والاكراه.
وقال «عزوجل» : (إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولئِكَ يَتُوبُ اللهُ عَلَيْهِمْ وَكانَ اللهُ عَلِيماً حَكِيماً (١٧) وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ حَتَّى إِذا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولئِكَ أَعْتَدْنا لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً (١٨)) (٢) فأخبر أنّه لا تنفع التوبة في حال المعاينة ، وما أشبه ما ذكرناه كثير.
ثم يقال لهم : فإذا كان العبد بفعله ما لم يرد الله قد أعجزه فيجب أن يكون بفعله ما يريده قد أقدره ، ومن انتهى قوله إلى هذا الحدّ فقد استغني عن جداله وربحت مؤنته.
فصل
الإيمان وحقيقة المشيئة
فإن سألوا عن معنى قوله تعالى : (وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ) (٣).
قيل لهم : معنى ذلك لو شاء ربّك لألجأهم إلى الإيمان ، لكنّه لو فعل ذلك لزال التكليف ، فلم يشأ ذلك بل شاء أن يطيعوا على وجه التطوّع والايثار لا على وجه الإجبار والاضطرار ، وقد بيّن الله ذلك فقال : (أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ) يريد أنّي أنا أقدر على الاكراه منك ولكنّه (لا إِكْراهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِ) (٤) وكذلك الجواب في قوله : (وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ ما فَعَلُوهُ) (٥) ، (وَلَوْ شاءَ
__________________
(١) سورة يونس ، الآية : ٩١.
(٢) سورة النساء ، الآيتان : ١٧ ـ ١٨.
(٣) سورة يونس ، الآية : ٩٩.
(٤) سورة البقرة : ٢٥٦.
(٥) سورة الأنعام ، الآية : ١١٢.