معلوم ضرورة للكامل العقل ، ولا يصحّ أن يستدلّ وينظر فيما يعلمه ضرورة ؛ لأنّ من شرط صحّة النظر ارتفاع العلم بالمنظور فيه.
وأمّا الشبهة الثانية ، فبعيدة عن الصواب ؛ لأنّها مبنيّة على دعوى ، ومن هذا الّذي يسلّم له من خصومه أنّ العلم بمخبر الإخبار عن البلدان وما جرى مجراها يقع عقيب التأمّل لصفات المخبرين؟! أو ليس خصومه من أصحاب الضرورة يقولون : إنّه يقع من غير تصحيح شيء من التأمّل لأحوال المخبرين ، وإنّه إنّما يعلم أحوال المخبرين بعد حصول العلم الضروريّ بما خبّروا عنه؟!
[في شروط ما يحصل عنده العلم بتأمّل ونظر]
وأمّا القسم الثاني ـ وهو ما يحصل عنده العلم بتأمّل ونظر ـ فلا بدّ فيه من بيان صفة المخبرين الّذين يجب عند النظر في خبرهم العلم على جهة الاستدلال ، وله شروط ثلاثة :
أوّلها : أن يبلغ المخبرون إلى حدّ في الكثرة لا يجوز في العادة أن يتّفق منها الكذب عن المخبر.
وثانيها : أن يعلم أنّهم لم يجمعهم على الكذب جامع ، كالتّواطى أو ما جرى مجراه.
وثالثها : أن يعلم أنّ اللبس والشبهة فيما أخبروا عنه زائلان. هذا إذا كانت الجماعة تخبر عن المخبر بلا واسطة ، وإن كانت هناك واسطة ، وجب اعتبار هذه الشروط الّتي ذكرناها في جميع الوسائط الّتي بينهم وبين المخبر عنه.
وتأثير هذه الشروط الّتي ذكرناها في العلم بصحّة الخبر واضح :
أمّا الشرط الأوّل فمن حيث كنّا متى لم نعلم أن الجماعة قد بلغت من الكثرة إلى الحدّ الّذي لا يجوز معه اتّفاق الكذب منها عن المخبر الواحد ، لم نأمن أن يكون كذبت اتّفاقا ، كما يجوز ذلك في الواحد والاثنين.