[في أدلّة القائلين بورود التعبّد بخبر الواحد والجواب عنها]
وقد تعلّق مخالفونا بأشياء :
أوّلها : قوله تعالى : (فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ) (١). وليس يكونون منذرين لهم إلّا ويلزمهم القبول منهم. وربما قالوا : إنّ معنى الآية ولينذر كلّ واحد منهم قومه. وإذا صحّ لهم ذلك استغنوا عن التشاغل بأنّ اسم طائفة يقع على الواحد ، كما يقع على الجماعة ، وتعلّقهم في ذلك بقوله تعالى : (وَلْيَشْهَدْ عَذابَهُما طائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) (٢) وقوله تعالى : (وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا) (٣).
وثانيها : قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلْنا مِنَ الْبَيِّناتِ) (٤) وحظر الكتمان يقتضي وجوب الإظهار ، ولا يجب الإظهار إلّا للقبول.
وثالثها : قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهالَةٍ) (٥) ، والظاهر يقتضي أنّ العدل في هذا الحكم بخلاف الفاسق.
ورابعها : أنّ الله تعالى قد أمر رسوله صلىاللهعليهوآلهوسلم بالابلاغ في مواضع من الكتاب لا تحصى ، والإبلاغ يكون بالتواتر والآحاد معا ؛ لأنّه لو اختصّ بالتواتر وما يوجب العلم لوجب أن يكون العلم بفروع العبادات كالعلم بأصولها ، وكذلك فروع المعاملات كلّها ، ومعلوم ضرورة خلاف ذلك.
وخامسها : وهو الطريقة الّتي بها يصولون ، وعليها كلّهم يعوّلون ، وإيّاها يرتضون ، وترتيبها أن الصحابة مجمعة على العمل بأخبار لا تبلغ التواتر ، وذلك أظهر فيما بينهم من كلّ شيء كان ظاهرا ، ويذكرون رجوعهم في وجوب الغسل بالتقاء الختانين إلى أزواج النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم عند اختلافهم في ذلك ، وعمل عمر بن الخطّاب بعد التوقّف والتردّد في جزية المجوس على خبر عبد الرحمن ، ثمّ
__________________
(١) سورة التوبة ، الآية : ١٢٢.
(٢) سورة النور ، الآية : ٢.
(٣) سورة الحجرات ، الآية : ٩.
(٤) سورة البقرة ، الآية : ١٥٩.
(٥) سورة الحجرات ، الآية : ٦.