عقلا من العبادة به من النّظّام وغيره من المتكلّمين. وذهب الفقهاء وأكثر المتكلّمين إلى أنّ العبادة قد وردت بالعمل بخبر الواحد في الشريعة. وكان أبو علي الجبائي لا يعمل بخبر الواحد في الشريعة ، ويعمل بخبر الاثنين فصاعدا ، ويجريه مجرى الشهادة.
والّذي يدلّ على صحّة ما ذهبنا إليه أنّه لا خلاف بيننا وبين محصّلي مخالفينا في هذه المسألة أن العبادة بقبول خبر الواحد والعمل به طريقة الشرع والمصالح ، فجرى مجرى سائر العبادات الشرعيّة في اتّباع المصلحة ، وأن العقل غير دالّ عليه ، وإذا فقدنا في أدلّة الشرع ما يدلّ على وجوب العمل به ؛ علمنا انتفاء العبادة به ، كما نقول في سائر الشرعيّات والعبادات الزائدة على ما أثبتناه وعلمناه ، وعلى هذه الطريقة نعوّل كلّنا في نفي صلاة زائدة وصوم شهر زائد على ما عرفناه ، وفي أنّ مدّعي النبوّة ولا معجز على يده ليس بنبي. وليس لأحد أن يقول : إنّما علمت أنّه لا صلاة زائدة على الخمس مفروضة ، ولا صيام مفروض زائد على شهر رمضان بالاجماع ؛ لأنّا نعلم أنّهم لو لم يجمعوا على ذلك ، وخالف بعضهم فيه ؛ لكان المفزع فيه إلى هذه الطريقة الّتي ذكرناها ، وقد بيّنّا صحّة الاعتماد على هذه الطريقة ، وإبطال شبهة من اشتبه عليه ذلك في مواضع من كلامنا ، واستقصيناه.
ويمكن أن يستدلّ بمعنى هذه الطريقة بعبارة أخرى ، وهو أن نقول : العمل بالخبر لا بدّ من أن يكون تابعا للعلم ، فإمّا أن يكون تابعا للعلم بصدق الخبر ، أو العلم بوجوب العمل به مع تجويز الكذب ، وقد علمنا أنّ خبر الواحد لا يحصل عنده علم بصدقه لا محالة ، فلم يبق إلّا أن يكون العمل به تابعا للعلم بالعبادة بوجوب العمل به ، وإذا لم نجد دليلا على وجوب العمل به نفيناه.