على أنّ المراد بها الانتظار ، لا الرؤية ، وفرضنا أنّه لم ينقل عن المتقدّمين إلّا هذا الوجه ، دون غيره ، جاز للمتأخّر أن يزيد على هذا التأويل ، ويذهب إلى أن المراد أنهم ينظرون إلى نعم الله ؛ لأنّ الغرض في التأويلين جميعا إنّما هو إبطال أن يكون الله تعالى في نفسه مرئيا ، والتأويلان معا مشتركان في دفع ذلك ، وقد قام كلّ واحد مقام صاحبه في الغرض المقصود ، وجرت التأويلات مجرى الأدلّة في أنّه يغني بعضها عن بعض ، وخالفت في هذا الحكم المذاهب.
[التاسع :] فصل في الإجماع على أنّه لا فصل بين المسألتين
هل يمنع من الفصل بينهما
اعلم أنّ هذه المسألة تنقسم إلى قسمين :
أحدهما : أن يجمعوا على أنّه لا فصل بين مسألتين في حكم معيّن من تحليل أو تحريم.
والقسم الآخر : أن يجمعوا على أنّه لا فصل بينهما في الحكم أيّ حكم كان :
والقسم الأوّل لا شبهة في تحريم المخالفة فيه ؛ لأنّ إجماعهم على أنّه لا فصل بين مسألتين في تحريمه هو إجماع على حكم من الأحكام ، ويجري مجرى إجماعهم على تحريم أو تحليل ، فمن فرّق بين المسألتين فقد خالف إجماعهم لا محالة ، ويجري مجرى مخالفي كلّ إجماع.
وأمّا المسألة الثانية ، وهي أن يجمعوا على أنّه لا فصل بينهما في الحكم من غير تعيين ، فهو أيضا جار مجرى الأوّل في تحريم المخالفة ، وإن استند ذلك إلى دليل سوى الإجماع ؛ لأنّه إذا علم بدليل آخر أنّ ذلك الحكم هو التحريم ، صار كنصّهم على أن لا فرق في التحريم بينهما. ومثال هذا الوجه الأخير ما روي عن ابن سيرين من أنه قال في زوج وأبوين : أنّ للأمّ ثلث ما بقي ، وقال في امرأة وأبوين : أن للامّ ثلث جميع المال ، فخالف كلّ من تقدّم ؛ لأنّ الناس قبله