اختاره ، لأنّه إذا اختار أنّ «أو» في الآية بمعنى «بل» فكيف جاز بأن يخبرهم بأنّ قلوبهم أشدّ قسوة من الحجارة ، وهم لا يعرفون ما هو أقسى من الحجارة! وإذا جاز أن يقول لهم : بل قلوبهم أقسى ممّا يعرفون من الحجارة جاز أن يخبر عن مثل ذلك بالواو فيقول : قلوبهم كالحجارة التي يعرفون في القسوة ، وهي مع ذلك تزيد عليها.
فإن قيل : كيف يكون «أو» في الآية بمعنى الواو ، والواو للجمع ، وليس يجوز أن تكون قلوبهم كالحجارة ، أو أشدّ من الحجارة في حالة واحدة ؛ لأنّ الشيء إذا كان على صفة لم يجز أن يكون على خلافها؟!
قلنا : قد أجاب بعضهم عن هذا الاعتراض بأن قال : ليس يمتنع أن تكون قلوبهم كالحجارة في حال ، وأشدّ من الحجارة في حال أخرى ؛ فيصحّ المعنى ، ولا يتنافى ، وهذا قريب ، ويكون فائدة هذا الجواب أنّ قلوب هؤلاء في بعض الأحوال مع القسوة والعدول عن قبول الحقّ والفكرة فيه ؛ ربّما لانت بعض اللين ؛ [وهمّت بالانعطاف ، وكادت تصغي إلى الحقّ فتكون في هذه الحال كالحجارة التي ربما لانت] ، وفي حال أخرى تكون في نهاية البعد عن الخير والنفور عنه ، فتكون في هذا الحال أشدّ قسوة من الحجارة.
على أنّه يمكن في الجواب عن هذا الاعتراض وجه آخر ؛ وقد تقدّم معناه في بعض كلامنا ، وهو أنّ قلوبهم لا تكون أشدّ من الحجارة إلّا بعد أن يكون فيها قسوة الحجارة ؛ لأنّ القائل إذا قال : فلان أعلم من فلان فقد أخبر أنّه زائد عليه في العلم الذي اشتركا فيه ؛ فلا بدّ من الاشتراك ثمّ الزيادة ، فليس هاهنا تناف على ما ظنّ المعترض ، ولا إثبات لصفة ونفيها ، فكلّ هذا واضح بحمد الله (١).
ـ (فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هذا مِنْ عِنْدِ اللهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ) [البقرة : ٧٩].
أنظر المائدة : ٣٨ من الانتصار : ٢٦٢ والبقرة : ٢٦ ، ٢٧ من الرسائل ، ٢ : ١٧٧ إلى ٢٤٧.
__________________
(١) الأمالي ، ٢ : ٥٠.