ومن جملة ما نقل عن السيّد المرتضى في رفده للعلم والعلماء والحثّ على اكتساب المعارف أنه كان قد وقف قرية من ممتلكاته لتهيئة مستلزمات صناعة الورق هذا أوّلا وثانيا قيامه بتأسيس مكتبة قيّمة تحتوي على كتب قيّمة (١).
وبهذا اسّس مجتمع علمي وتحقيقي ودراسي في مدينة الكرخ مع الشيخ المفيد ثمّ راحت العلوم واتسعت المعارف في الكرخ وتضاعف عدد الدارسين في عهد السيّد المرتضى ليدخل المجتمع في عصر الشيخ الطوسي رحمهالله عليه مرحلة جديدة (٢).
إنّ ما مرّ يمثل جانبا للوضع السياسي والاجتماعي لمدينة بغداد شيعتها وعلمائها والّذي نطلق عليه عنوان الانفتاح السياسي ، وسنتحدث لاحقا عن موقف السيّد المرتضى قبال هذا الوضع وتأثيره على المنهج العلمي للسيّد المرتضى.
المقدمة الثانية : المذاهب العلميّة في عصر السيّد المرتضى
لقد ذكرنا سابقا أن بغداد كانت تمثل مركزا لاجتماع علماء بغداد الكبار من المذاهب الإسلاميّة المختلفة وكان البحث العلمي ينصبّ بنوع من الأنواع بينهم وبين علماء الشيعة ، وفي هذا الإطار سنشير إلى الاتجاهات العلميّة الأخرى الّتي هيمنت في مدن شيعية مهمّة من قبيل الري وقم ثمّ نتحدث في موقف المدرسة البغدادية وزعيمها المرتضى قبال المدارس المذكورة.
__________________
(١) تلخيص وتعريب من مقالات مؤتمر تكريم الشريف الرضي رحمهالله.
(٢) إنّ ما يميّز الشيخ الطوسي عن أكابر العلماء في بغداد هو أنه أجرى جميع اطروحاته في العلوم الدينيّة المختلفة وقام بتأليف كتاب في كلّ علم من هذه العلوم. وكانت آرائه سببا لتغيير المنهجية الكلّية لهذه العلوم لدى الشيعة ومن جملة ذلك حجّيّة الخبر الواحد والّتي يمكن اعتبارها حدّ المدرسة الثانية لبغداد والعهد الجديد. فتأثير هذه النظرية يعد بمستوى يمكن أن يقال : (كما ذكر أحد الأساطين) : (أن العلماء إلى يومنا هذا ينبغي اعتبار هم مقلّدين للشيخ الطوسي). فهذه النظرية هي جمع بين مدرسة بغداد ومدرسة قم ؛ ومن هذا المنطلق تجلّ المدرستين المذكورتين الشيخ الطوسي.