وغيلان (١) وجماعة كثيرة لا تحصى. ولم يك ما وقع من الخلاف حينئذ يتجاوز باب إضافة معاصي العباد إلى الله سبحانه عن ذلك ونفيها عنه وغيره من هذا الباب بباب القدرة والمقدور وما أشبهه (٢).
الأقوال في كيفية خلق الأفعال
فأمّا الكلام في خلق أفاعيل العباد وفي الاستطاعة وفيما اتّصل بذلك وشاكله فانّما حدث بعد دهر طويل.
ويقال : إن أوّل من حفظ عنه القول بخلق أفاعيل العباد جهم بن صفوان (٣) ، فانّه زعم أنّ ما يكون في العبد من كفر وإيمان ومعصية فالله فاعله كما فعل لونه وسمعه وبصره وحياته ، وأنّه لا فعل للعبد في شيء من ذلك ولا صنع ، والله تعالى صانعه ، وأنّ لله تعالى أن يعذّبه من ذلك على ما يشاء ويثيبه على ما يشاء.
وحكى عنه علماء التوحيد أنّه كان يقول مع ذلك : إنّ الله خلق في العبد قوّة بها كان فعله ، كما خلق له غذاء يكون به قوام بدنه ، ولا يجعل العبد كيف تصرّف حاله فاعلا لشيء على حقيقته ، فاستبشع من قوله أهل العدل وأنكروه مع أشياء أخر حكيت عنه.
ولمّا أحدث جهم القول بخلق أفعال العباد قبل ذلك ضرار بن عمرو (٤) بعد
__________________
ـ ما استودعت صدري شيئا الا وجدته حين أريد ، مات سنة ١١٣ ه (ميزان الاعتدال : ٤ / ١٧٧).
(١) أبو الحارث ذو الرمة غيلان بن عقبة بن نهيس بن مسعود ، أحد فحول الشعراء ، قيل : فتح الشعر بامرىء القيس وختم بذي الرمة ، مات سنة ١١٧ ه (الكنى والالقاب : ٢ / ٢٢٧).
(٢) في أ : القدر وما اشبهه.
(٣) أبو محرز جهم بن صفوان السمرقندي ، رأس الجهمية ، وقد زرع شرا عظيما ، كان يقتضي في عسكر الحارث بين سريج الخارج على أمراء خراسان ، فقبض عليه نصر بن سيار وأمر بقتله فقتل سنة ١٢٨ ه (الاعلام للزركلي : ٢ / ٢٢٨).
(٤) ضرار بن عمرو القاضي ، معتزلي جلد ، له مقالات خبيثة. قال أحمد بن حنبل : شهدت على ضرار عند سعيد بن عبد الرحمن القاضي فأمر بضرب عنقه فهرب (ميزان الاعتدال ٢ / ٣٢٨).