أن كان ضرار يقول بالعدل ، فانتفت عنه المعتزلة وأطرحته ، فخلط عند ذلك تخليطا كثيرا ، وقال بمذاهب خالف فيها جميع أهل العلم وخرج عمّا كان عليه واصل بن عطاء (١) وعمرو بن عبيد (٢) بعد ما كان يعتقد فيهما من العلم وصحّة الرأي ؛ لأنّه كان في الأوّل على رأيهما بل صحبهما وأخذ عنهما.
ثمّ تكلّم الناس بعد ذلك في الاستطاعة ، فيقال : إنّ أوّل من أظهر القول بأنّ الاستطاعة مع الفعل يوسف السمتي (٣) وإنّه استزلّه إلى ذلك بعض الزنادقة فقبله عنه ، ثم قال بذلك حسين النجار (٤) ، وانتصر لهذا القول ووضع فيه الكتب فصارت مذاهب المجبّرة بعد ذلك على ثلاثة أقاويل :
أحدها : إنّ الله تعالى خلق فعل العبد وليس للعبد في ذلك فعل ولا صنع وانّما يضاف إليه أنّه فعله كما يضاف إليه لونه وحياته ، وهو قول جهم.
والثاني : أن الله تعالى خلق فعل العبد وأنّ العبد فعله باستطاعة في العبد متقدّمة ، وهو قول ضرار ومن وافقه.
والثالث : أنّ الله تعالى خلق فعل العبد وأنّ العبد فعله باستطاعة حدثت له في حال الفعل لا يجوز أن تتقدّم الفعل ، وهو قول النجّار وبشر المريسي (٥)
__________________
(١) واصل بن عطاء البصري الغزال المتكلم ، كان يلثغ بالراء فلبلاغته هجر الراء وتجنبها في خطابه ، وكان يتوقف في عدالة اهل الجمل ويقول : احدى الطائفتين فسقت لا بعينها ، فلو شهدت عندي عائشة وعلي وطلحة على باقة بقل لم احكم بشهادتهم. ولد سنة ٨٠ بالمدينة ومات سنة ١٣١ ه (ميزان الاعتدال : ٤ / ٣٢٩).
(٢) أبو عثمان عمرو بن عبيد بن باب التيمي البصري ، شيخ المعتزلة في عصره ومفتيها كان جده من سبي فارس وأبوه نساجا ثم شرطيا للحجاج في البصرة ، وقال يحيى بن معين : كان من الدهرية الذين يقولون إنما الناس مثل الزرع ، ولد سنة ٨٠ وتوفى سنة ١٤٤ ه الاعلام للزركلي : ٥ / ٢٥٢.
(٣) يوسف بن خالد السمتي الفقيه ، قال أبو حاتم : رأيت له كتابا وضعه في التهجم يتنكر فيه الميزان والقيامه ، مات في رجب سنة ١٨٩ ه (ميزان الاعتدال : ٥ / ٤٦٣).
(٤) أبو عبد الله الحسين بن محمّد بن عبد الله النجار الرازي ، رأس الفرقة النجارية من المعتزلة ، وهو من متكلمي المجبرة ، وله مع النظام عدة مناظرات ، توفى نحو سنة ٢٢٠ ه (الاعلام للزركلي : ٢ / ٢٧٦).
(٥) أبو عبد الرحمن بشر بن غياث بن أبي كريمي المريسي الفقيه الحنفي ، اشتغل بالكلام وجرد ـ