كما قال تعالى : (الم ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ) وإن كان هدى للكل ، فإن حمل ذلك على أن المتّقين لما انتفعوا بهدايته ، ولم ينتفع بها الفاسقون جاز هذا القول (١) ، وهذا كما قال تعالى : (إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشاها) (٢) وقوله جلّ وعزّ (إِنَّما تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ) (٣) [ولي في قصيدة :]
فقلت لهم إنّما يعذل المشي |
|
ب على الغي من يقبل |
أي ينتفع بعذله من يقبل ، وجعلت من لم ينتفع بالعذل كانه غير معذول (٤) وكان لنا أن نقول مثل ذلك في قوله : «إمام المتّقين» ولا وجه يذكر في اختصاص لفظ الآية مع عموم معناها إلا وهو قائم في الخبر.
فأمّا دعاء الصالحين بأن يجعلهم الله للمتّقين إماما ، فقد يجوز أن يحمل على أنّهم دعوا بأن يكونوا أئمّة يقتدى بهم الاقتداء الحقيقي الذي بيّناه فهذا غير ممتنع ، ولو صرنا إلى ما يريده من أنّهم دعوا بخلاف ذلك لكنا إنّما صرنا إليه بدلالة ، وإن كانت حقيقة الإمامة تتضمّن ما قدّمناه من معنى الاقتداء المخصوص وليس العدول عن بعض الظواهر لدلالة تقتضي العدول عن كلّ ظاهر بغير دلالة (٥).
ـ (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَما هُمْ بِمُؤْمِنِينَ) [البقرة : ٨].
اعلم أن الإيمان هو التصديق بالقلب ، ولا اعتبار بما يجري على اللسان ممّن كان عارفا بالله تعالى وبكلّ ما أوجب معرفته مقرّا بذلك مصدّقا فهو مؤمن.
والكفر نقيض ذلك ، وهو الجحود في القلب دون اللسان لما أوجب الله تعالى المعرفة به ، ولا بدّ بدليل شرعي من أن يستحقّ به العقاب الدائم الكبير على ما تقدّم ذكره.
وإلى هذا المذهب ذهبت المرجئة ، وان كان فيهم من ذهب إلى أن الإيمان
__________________
(١) الشافي في الإمامة وإبطال حجج العامّة ، ٣ : ١١٨.
(٢) سورة النازعات ، الآية : ٤٥.
(٣) سورة يس ، الآية : ١١.
(٤) الرسائل ، ٤ : ٢٢٧ بتصرّف يسير اقتضاه السياق.
(٥) الشافي في الإمامة وإبطال حجج العامّة ، ٣ : ١١٨.