ثمّ لمّا تأمّلت ذلك رجعت عن هذا المذهب ؛ لأنّي وجدت أصحابنا مجمعين على نفي الربا بين من ذكرناه ، وغير مختلفين فيه في وقت من الأوقات ، وإجماع هذه الطائفة قد ثبت أنّه حجّة ، ويخصّ بمثله ظواهر الكتاب ، والصحيح نفي الربا بين من ذكرناه.
وإذا كان الربا حكما شرعيا جاز أن يثبت في موضع دون آخر ، كما يثبت في جنس دون جنس ، وعلى وجه دون وجه ، فإذا دلّت الأدلّة على تخصيص من ذكرناه وجب القول بموجب الدليل.
وممّا يمكن أن يعارض ظواهره من ظاهر الكتاب أنّ الله تعالى قد أمر بالاحسان والانعام ، مضافا إلى ما دلت عليه العقول من ذلك ، وحدّ الاحسان إيصال النفع لا على وجه الاستحقاق إلى الغير مع القصد إلى كونه إحسانا ، ومعنى الاحسان ثابت فيمن أخذ من غيره درهما بدرهمين ؛ لأنّ من أعطى الكثير بالقليل وقصد به إلى نفعه فيه ، فهو محسن إليه ، وإنّما أخرجنا من عدا من استثنيناه من الوالد وولده والزوج وزوجته بدليل قاهر تركنا له الظواهر ، وهذا ليس مع المخالف في المسائل التي خالفنا فيها ، فظاهر أمر الله تعالى بالاحسان في القرآن في مواضع كثيرة كقوله : (وَأَحْسِنْ كَما أَحْسَنَ اللهُ) وقوله تعالى : (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ) معارض للآيات التي ظاهرها عامّ في تحريم الربا ، فإذا قالوا نخصص آيات الاحسان لأجل آيات الربا ، قلنا : ما الفرق بينكم وبين من خصّص آيات الربا بعموم آيات الأمر بالاحسان؟ وهذه طريقة إذا سلكت كانت قويّة (١).
ـ (وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتانِ) [البقرة : ٢٨٢].
[قال الناصر :] «يقضى بشاهد ويمين المدّعي إذا كان المدّعي عدلا ، وإلّا لم يقض».
__________________
(١) الانتصار : ٢١٢.