[الثاني] : فصل في الفرق بين البداء والنسخ والتخصيص
اعلم أنّ البداء في وضع اللّغة هو الظهور ، وإنّما يقال : «بدا لفلان في كذا» إذا ظهر له من علم أو ظنّ ما لم يكن ظاهرا.
وللبداء شرائط ، وهي أربعة : أن يكون الفعل المأمور به واحدا ، والمكلّف واحدا ، والوجه كذلك ، والوقت كذلك ، فما اختصّ بهذه الوجوه الأربعة من أمر بعد نهى ، أو نهى بعد أمر ؛ اقتضى البداء.
وإنّما قلنا : إنّ ذلك يدلّ على البداء ؛ لأنّه لا وجه له إلّا تغيّر حال المكلّف في العلم أو الظنّ ، لأنّه لو كانت حاله على ما كانت عليه ؛ لما أمر بنفس ما نهى عنه ، أو نهى عن نفس ما أمر به مع باقي الشرائط ، وكان أبو هاشم يمنع في الله تعالى أن يأمر بما نهى عنه مع باقي الشرائط لوجهين : أحدهما : أنه دلالة البداء ، والآخر : أنّه يقتضي إضافة قبيح إليه تعالى إمّا الأمر ، أو النهي ، وهو أحد قولي أبي عليّ. والقول الآخر له : أنّه يمنع من وقوعه منه تعالى للوجه الأخير الّذي ذكرناه ، من اقتضائه إضافة قبيح إليه تعالى ؛ لأنّ البداء لا يتصوّر فيمن هو عالم بنفسه.
والأولى أن يمنع منه للوجهين ؛ لأنّ ما من شأنه أن يدلّ على أمر من الأمور [يجب] ألّا يختاره القديم تعالى مع فقد مدلوله ؛ لأنّ ذلك يجري مجرى فعل قبيح ، ألا ترى أنّ فعله تعالى ما يطابق اقتراح الطالب لتصديقه ، لمّا كان دلالة التصديق لم يجز أن يفعله من الكذّاب ؛ لأنّه يدلّ على خلاف ما الحال عليه.
والنسخ إنّما يخالف البداء بتغاير الفعلين ؛ فإنّ فعل المأمور به غير المنهيّ عنه. وإذا تغاير الفعلان ، فلا بدّ من تغاير الوقتين. فكان النسخ يخالف البداء بتغاير الفعلين والوقتين.
وأما الفرق بين النسخ والتخصيص ، فقد مضى فيما تقدّم ، فلا وجه لإعادته.