ومن لم يعمل بها لم ينسخ بها ؛ لأنّ النسخ فرع وتابع لوجوب العمل. وسيأتي الكلام على تفصيل ذلك بمشيّة الله تعالى (١).
[الثالث عشر] : فصل في جواز نسخ القرآن بالسنّة
إعلم أن السنّة على ضربين : مقطوع عليها معلومة ، وأخرى واردة من طريق الآحاد :
فأمّا المقطوع عليها فإنّ الشافعيّ ومن وافقه يذهبون إلى أنّها لا ينسخ بها القرآن ، وخالف باقي العلماء في ذلك.
وأمّا السنّة الّتي لا يقطع بها فأكثر الناس على أنّه لا يقع بها نسخ القرآن ، وخالف أهل الظاهر وغيرهم في جواز ذلك ، وادّعوا أيضا وقوعه.
والذي يبطل أن ينسخ القرآن بما ليس بمعلوم من السنّة أنّ هذا فرع مبنىّ على وجوب العمل بخبر الواحد في الشريعة ؛ لأنّ من يجوّز النسخ يعتمد على أنّه كما جاز التّخصيص به ، وترك الظاهر لأجله ، والعمل به في الأحكام المبتدأة ، جاز النسخ أيضا به. وأنّ دليل وجوب العمل بخبر الواحد مطلق ، غير مختصّ ، فوجب حمله على العموم ، وإذا بطل العمل بخبر الواحد في الشّرع ، بما سنتكلّم عليه عند الكلام في الأخبار بمشيّة الله تعالى ، بطل النسخ ؛ لأنّ كلّ من لم يعمل به في غير النسخ لا ينسخ به ، فالقول بالنسخ مع الامتناع من العمل أصلا خارج عن الإجماع.
وهذا أولى ممّا يمضى في الكتب من أن الصحابة ردّت اخبار الآحاد إذا كان فيها ترك للقرآن ؛ لأنّ الخصوم لا يسلّمون ذلك ، ولأنّه يلزم عليه أن لا يخصّص الكتاب بخبر الواحد ؛ لأنّ فيه تركا لظاهره.
__________________
(١) الذريعة ، ١ : ٤١٣ إلى ٤٥٦.