ـ (الم)
فإن قيل : فما الوجه فيما افتتح هذه السورة من قوله : (الم) وهو كلام لا يعرف معناه ولا يعلم فحواه؟ وكيف يجوز أن يخاطبهم بما لا يعرفونه ولا يقولونه؟
الجواب :
قلنا : قد ذكر الناس في معنى الحروف المقطّعة التي افتتحت بها السور وجوها كثيرة ، فبعضها صحيح وبعضها فاسد ، ونحن نذكر الصحيح الذي نختاره وننّبه على ما فيه اختلاف وفساد.
فمن أصحّ ما ذكر في ذلك وأبعده من الفساد أن يكون هذه الحروف أسماء للسور وشعارا لها ، والاسماء إذا كانت على سبيل التلقيب (١) الذي ذكرناه والتمييز (٢) ؛ لأنّ الألقاب جارية مجرى الاشارة ، ولا يفيد في اللقب أكثر من الاشارة إليه ، وإمكان الإخبار عنه عند الغيبة باللقب ، كما أمكنت الاشارة مع الحضور.
ألا ترى أنّ قولنا : «زيد وعمرو» لا يفيدان أكثر من التلقب الذي ذكرناه ، ولا يجريان مجرى طويل وقصير وما أشبهها من الصفات؟ ومن أمارة كون الاسم لقبا أن يجوز تبديله وتغييره واللغة على ما هي عليه ، والإسم المفيد لا يجوز تغييره إلّا بتغير اللغة.
ألا ترى أنّه لو سمّينا رجلا ب «زيد» ثم بدا لنا في ذلك فسمّيناه ب «عمرو» لساغ ذلك واللغة على ما كانت عليه ، وإذا وصفناه بأنّه طويل لم يجز أن نصفه بالقصير ، ونرجع عن وصفه بالطويل إلّا مع تغيّر اللغة وانقلابها.
وهذا الوجه الذي ذكرناه في هذه الفواتح ، قد روي عن الشيوخ الثقات الذين لا أرباب لهم ، وما لا إسم له من السور قد يعرف ويميّز بما يقوم مقام الاسم من الصفات ، كسورة النساء وسورة المائدة وما أشبههما.
__________________
(١) في الهامش : التغليب.
(٢) كذا في المطبوعة.