الفعل ، وكون الفاعل بعد الفعل أولى من كون المفعول بعده ؛ ألا ترى أنّك إذا قلت : قام زيد ، فإنّ الاسم يلي الفعل. وتقول : ضرب غلامه زيد ، فيكون التقدير في الغلام التأخير ، فلولا أنّ الفاعل أخصّ بهذا الموضع لم يجز هذا ؛ كما لم يجز في الفاعل : ضرب غلامه زيدا ، حيث لم يجز في الفاعل تقدير التأخير ؛ كما جاز في المفعول به ، لوقوع الفاعل موقعه المختصّ به.
وحجة من نصب «البرّ» أن يقول : كون الاسم أن وصلتها أولى تشبيها بالمضمر في أنّها لا توصف ، كما لا يوصف المضمر ؛ فكأنّه اجتمع مضمر ومظهر ؛ والأولى إذا اجتمعا أن يكون المضمر الاسم من حيث كان أذهب في الاختصاص من المظهر (١).
ـ (وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ يا أُولِي الْأَلْبابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) [البقرة : ١٧٩].
[فيها أمران :
الأوّل : إن سأل سائل فقال :] إذا كان جواز بقاء المقتول ظلما حيّا لو لم يقتل وجواز موته في الحال بدلا من قتله في العقول على سواء ، فهل يدلّ قول الله تعالى : (وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ يا أُولِي الْأَلْبابِ) على أنّ المقتول ظلما كان لو لم يقتل يبقى حيّا يكون ذلك إخبارا منه عن إقامة الحدود على القاتلين ، يبقي تعالى به الحياة على آخرين ، وإخباره تعالى لا يكون إلّا حقّا وصدقا ؛ لاستحالة الجهل والكذب عليه تعالى ، ولأنّ ذلك يدلّ على أنّ بتعطيل الحدود يقدم كثير من المكلّفين على القتل ، ولو لا ذلك لما أقدم القاتل عليه ، ولبقي المقتول حيّا بدلالة هذا السمع.
الجواب :
إعلم أنّ المقتول كان يجوز أن يعيش لولا القتل ، بخلاف قول من قطع على موته لا محالة لو لا القتل ، وكان يجوز أن يميته الله تعالى لو لا القتل ، بخلاف قول من ذهب إلى أنّه لو لا القتل كان يجب بقاؤه حيّا لا محالة.
__________________
(١) الأمالي ، ١ : ٢٠٧.