[المقدّمة الثالثة] : باب الكلام في المجمل والبيان
[فيها أمور :
الأوّل : تمهيد :] اعلم أن المجمل هو الخطاب الّذي لا يستقلّ بنفسه في معرفة المراد به ، والمفسّر ما استقلّ بنفسه.
والمستقل بنفسه على أقسام :
أحدها : ما يدلّ على المراد بلفظه.
وثانيها : ما يدلّ بفحواه.
وثالثها : ما ألحقه قوم به من الدّال على المراد بفائدته.
ورابعها : ما ألحق ـ أيضا ـ ممّا يدلّ بمفهومه.
ومثال الأوّل قوله تعالى : (وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلَّا بِالْحَقِ) (١). و (أَنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) (٢). و (وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً) (٣). وما لا يحصى من الأمثلة. ومثال الثّاني قوله تعالى : (فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍ) (٤). ومثال الثّالث طريقة التعليل. ومثال الرّابع الزّجر ، وتعلّق الحكم بالأسباب ، ووجوب ما لا يتمّ ما كلّفناه إلّا به.
ومن خالف في فحوى اللّفظ يجب موافقته ، فيقال له : أيدخل على عاقل عرف عادة العرب في خطابها شبهة في أنّ القائل إذا قال : «لا تقل له أفّ» ؛ فقد منع من كلّ أذيّة له ، وأنّه أبلغ من قوله : «لا تؤذه» فمن خالف في ذلك ؛ أعرض عنه. ومن لم يخالف ، وادّعى أنّ بالقياس والتأمّل يعلم ذلك ؛ قيل له : فمن لا
__________________
(١) سورة الإسراء ، الآية : ٣٣.
(٢) سورة البقرة ، الآية : ٢٣١.
(٣) سورة الكهف ، الآية : ٤٩.
(٤) سورة الإسراء ، الآية : ٢٣.