٣ ـ الحزن في يوم عاشوراء
لقد ذكرنا سلفا أنّ مراسم العزاء على مقتل الإمام الحسين كانت تجرى بالخفاء (في البيوت) قبل القرن الرابع الهجري لكن وبعد القرن الرابع وخصوصا بعد النصف الثاني من القرن الرابع كانت هذه المراسم تجرى في يوم عاشوراء بشكل علني في الأزقة والأسواق. فلقد أورد عموم المؤرّخين المسلمين وخصوصا المؤرّخون الّذين كتبوا في وقائع تلك السنوات كيفيّة العزاء الّذي كان يقيمه الشيعة في يوم عاشوراء ومنهم ابن الجوزي في كتاب المنتظم وابن الأثير في كتاب الكامل وابن كثير في البداية والنهاية واليافعي في مرآة الجنان والذهبي وآخرون وذلك ضمن ذكرهم لوقائع سنة ٣٥٢ والسنوات الّتي تلتها.
قال ابن الجوزي في هذا : أنه في اليوم العاشر من المحرم أغلقت الأسواق ببغداد ، وعطل البيع ، ولم يذبح القصّابون ولا طبخ الهرّاسون ولا ترك الناس أن يستقوا الماء ، ونصبت القباب في الأسواق ، وعلّقت عليها المسوح ، وخرجت النساء منتشرات الشعور يلطمن في الأسواق ، وأقيمت النائحة على الحسين عليهالسلام (١) وكتب ابن أثير ضمن سرده لوقائع سنة ٣٥٢ : عاشر المحرّم أمر معزّ الدولة الناس أن يغلقوا دكاكينهم ، ويبطلوا الأسواق والبيع والشراء ، وأن يظهروا النياحة ، ويلبسوا قبابا عملوها بالمسوح ، وأن يخرج النساء منثرات الشعور ، مسودات الوجوه وقد شققن ثيابهن ، يدرن في البلد بالنوائح ، ويلطمن وجوههنّ على الحسين بن عليّ رضى الله عنهما ففعل الناس ذلك ولم يكن للسنّة قدرة على المنع منه لكثرة الشيعة ولأن السلطان معهم. (٢)
ومنذ سنة ٣٥٢ إلى أواسط القرن الخامس حيث زال حكم البويهيين كانت تقام هذه المراسم بشكل مستمرّ. وإن صادف عاشوراء «النوروز» أو «مهركان» فإنّ مراسم الاحتفال بهذه الأيّام تؤخّر إلى ما بعده.
__________________
(١) المنتظم ، ١٤ : ١٥.
(٢) الكامل في التاريخ ، ٨ : ٥٤٩.