(وَمَا اللهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعالَمِينَ) لجاز أن يرضى بالكفر ويحبّ الفساد ويأمر بالفحشاء مع هذه الايات ، فلمّا لم يجز ذلك لم يجز أن يريد الظلم.
وممّا يدل على أنّ الله تعالى لم يرد الكفر والفجور : أنّا وجدنا المريد لشتم نفسه سفيها غير حكيم ، فلمّا كان الله أحكم الحاكمين علمنا أنّه لا يريد شتمه ولا سوء الثناء عليه.
وأيضا فإنّ الكفّار إذا فعلوا ما أراد من الكفر كانوا محسنين ؛ لأنّ من فعل ما أراد الله تعالى فقد أحسن ، فلمّا لم يجز أن يكون الكافر محسنا في شتمه الله ومعصيته له علمنا أنّه لم يفعل ما أراد الله.
وأيضا فإنّه لو جاز أن يريد الكفر به ويكون بذلك ممدوحا لجاز أن يحبّ الكفر ويرضى به ، ويكون بذلك حكيما ممدوحا ، فلمّا لم يجز أن يرضى بالكفر ولا يحبّه لم يجز أن يريده.
وأيضا فإن من أمر العباد بما لا يريده فهو جاهل ، فلمّا كان ربّنا أحكم الحاكمين علمنا أنّه لم يأمر بشيء لا يريده ؛ لأنّ من أمر بمدحه ولم يرد أن يفعله ونهى عن شتمه وأراد أن يفعل فهو جاهل ناقص ، فلمّا كان الله أحكم الحاكمين علمنا أنّه لا يريد أن يشتم ولا يثني عليه بسوء الثناء ، تعالى الله عن قولهم علّوا كبيرا.
فصل
في شبهة لهم في الارادة
قالوا : لو أراد الله سبحانه من زيد الإيمان فوقع خلافه ـ وهو مراد الشيطان والعبد ـ لكانا قد عجزا الله ووجب أن يكونا أقدر منه.
والجواب عن ذلك : أنّه يقال لهم : لم قلتم ذلك؟ فإن قالوا : لأنّا نعلم أنّ جند السلطان لو فعلوا ما لا يريده لدلّ على عجزه وعدم قدرته.
قيل لهم : إنّما صحّ ذلك ؛ لأنّ السلطان لم يكن ممّن يصحّ منه التكليف أو