المشرق ويصرفها كيف يشاء. فإن ادّعيت أنت القادر على ما يقدر الربّ عليه فائت بالشمس من المغرب كما يأتي هو بها من المشرق ، فإذا عجزت عن ذلك علمنا أنّك عاجز عن الحياة والموت ومدّع فيهما ما لا أصل له.
فإن قيل : فلو قال له في جواب هذا الكلام : وربّك لا يقدر أن يأتي بالشمس من المغرب ، فكيف تلزمني أن آتي بها من المغرب؟
قلنا : لو قال له ذلك لكان إبراهيم عليهالسلام يدعو الله أن يأتي بالشمس من المغرب فيجيبه إلى ذلك ، وإن كان معجزا خارقا للعادة. ولعلّ الخصم إنّما عدل عن أن يقول له ذلك علما بأنه إذا سأل الله تعالى فيه أجابه إليه (١).
ـ (رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى قالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قالَ بَلى وَلكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءاً ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْياً وَاعْلَمْ أَنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) [البقرة : ٢٦٠].
[فان قيل : ما معنى هذه الآية] أو ليس هذا الكلام والطلب من إبراهيم عليهالسلام يدلّان على أنّه لم يكن موقنا بأنّ الله تعالى يحيي الموتى؟ وكيف يكون نبيا من يشكّ في ذلك؟ أو ليس قد روى المفسّرون أنّ إبراهيم عليهالسلام مرّ بحوت نصفه في البرّ ونصفه في البحر ، ودوابّ البرّ والبحر تأكل منه ، فأخطر الشيطان بباله استبعاد رجوع ذلك حيا مؤلّفا ، مع تفرّق أجزائه وانقسام أعضائه في بطون حيوان البرّ والبحر؟ فشكّ ، فسأل الله تعالى ما تضمّنته الآية ، وروى أبو هريرة عن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم أنّه قال : نحن أحقّ بالشكّ من إبراهيم عليهالسلام.
الجواب : قيل له : ليس في الآية دلالة على شكّ إبراهيم في إحياء الموتى ، وقد يجوز أن يكون عليهالسلام إنّما سأل الله تعالى ذلك ليعلمه على وجه يبعد عن الشبهة ، ولا يعترض فيه شكّ ولا ارتياب ، وإن كان من قبل قد علمه على وجه للشبهة فيه مجال ، ونحن نعلم أنّ في مشاهدة ما شاهده إبراهيم من كون الطير حيّا ثمّ تفرّقه وتقطّعه وتباين أجزائه ثمّ رجوعه حيّا كما كان في الحال الأولى ،
__________________
(١) تنزيه الأنبياء والأئمّة : ٤٨.