ومحمّد ابن غوث ، ويحيى بن كامل (١) وغيرهم ، من متكلّمي المجبّرة [وعند هذا أكثر متكلمي المجبرة] نحو الاشاعرة وغيرهم.
ثم تكلّم الناس بعد ذلك فيما اتصل بهذا من أبواب الكلام في العدل واختلفوا فيه اختلافا كثيرا ، والكلام في ذلك [من] أوسع أبواب العلم وجوها وأعمقها بحرا ، ونحن نورد لك في هذا المعنى ما يتحصّل به الغرض ، وتنحسم به شبه الخصوم ونجعله ملّخصا وجيزا بلفظ مهذّب وإلى الفهم مقرّب ، ونبتدىء في أوله بوصف دعوة أهل الحقّ في ذلك ونردفها بما يجب ، وقد وسمنا هذه الرسالة ب «إنقاذ البشر من الجبر والقدر» وها نحن مبتدئون بذلك ومستعينون بمن له الحول والقوّة ، وهو حسبنا ونعم الوكيل.
فصل
في دعوة أهل الحق وبيانها
قالت عصبة أهل الحقّ : إن الله جل ثناؤه اصطفى الإسلام دينا ورضيه لعباده واختاره لخلقه ، ولم يجعله موكولا إلى رأيهم ، ولا جاريا على مقادير أهوائهم ، دون أن نصب له الأدلّة ، وأقام عليه البراهين ، وأرسل به الرسل ، وأنزل به الكتب ، ليهلك من هلك عن بيّنة ، ويحيى من حيّ عن بيّنة.
وللاسلام حدود ، للقيام به حقوق ، وليس كلّ من ادّعى ذلك أخذه ، ولا كلّ من انتسب إليه صار من أهله ، وقد علمنا أنّ أهل القبلة قد اختلفوا في أمور صاروا فيها إلى خلل ، فضلّل بعضهم بعضا وكفّر بعضهم بعضا ، وكلّ يدّعي أنّ ما ذهب إليه من ذلك وانتحله هو دين الله ودين رسوله صلىاللهعليهوآلهوسلم.
__________________
ـ القول بخلق القرآن وحكى عنه في ذلك اقوال شنيعة ، وكان مرجئا واليه تنسب الطائفة المريسية ، توفى ببغداد سنة ٢١٨ وقيل سنة ٢١٩ ه (وفيات الاعيان : ١ / ٢٥١).
(١) أبو علي يحيى بن كامل بن طليحة الخدري ، كان أولا من اصحاب بشر المريسي ومن المرجئة ثم انتقل إلى مذهب الإباضية. له كتب منها كتاب التوحيد والرد على الغلاة (هامش مط : ٣١).