فلمّا بطل هذان الوجهان ثبت الثالث ، وهو أنّ هذه الأفعال عمل العباد وكسبهم ، وأنّها ليست من فعل ربّ العالمين ولا صنعه ، ولو قصدنا إلى استقصاء أدلة أهل العدل في هذا الباب لطال بذلك الكتاب.
فصل
اللوازم الفاسدة للقول بخلق أفعال العباد
وممّا يسأل عنه ممّن زعم أنّ فعل العباد هو فعل الله وخلقه أن يقال لهم : أليس من قولكم أنّ الله محسن إلى عباده المؤمنين ، إذ خلق فيهم الإيمان وبين لهم بفعل الإيمان؟.
فإن قالوا : لا نقول ذلك ، زعموا أنّ النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ولم يحسن في تبليغ الرسالة ، وكفى بهذا خزيا لهم.
فإن قالوا : إنّ الانسان المؤمن محسن بفعل الإيمان وكسبه. يقال لهم : فقد كان إحسان واحد من محسنين بفعل الإيمان وكسبه من الله ومن العبد.
فإن قالوا : بذلك. قيل لهم : فما أنكرتم أن تكون إساءة واحدة من مسيئين ، فيكون الله «عزوجل» مسيئا بما فعل من الإساءة التي العبد بها مسيء ، كما كان محسنا بالاحسان الذي به العبد محسن.
فإن قالوا : إنّه مسيء بإساءة العباد لزمهم أن يكون ظالما بظلمهم ، وكاذبا بكذبهم ، ومفسدا بفسادهم ، كما كان مسيئا بإساءتهم.
فإن قالوا : لا يجوز أن تكون إساءة واحدة بين مسيئين. قيل لهم : فما أنكرتم أن لا يكون إحسان واحد بين محسنين ، ولا يجدون من هذا الكلام مخرجا والحمد لله رب العالمين ؛ وكلّما اعتلّوا بعلّة عورضوا بمثلها.
ويقال لهم : أليس الله نافعا للمؤمنين بما خلق فيهم من الإيمان. فمن قولهم : نعم. فيقال لهم : والعبد نافع لنفسه بما فعل من الإيمان. فإذا قالوا :