من فعل ما لا يرضى به فهو غير حكيم ، ومن يعيب ما صنع ويصنع ما يعيب فهو معيب والله يتعالى عن هذه الصفات علوّا كبيرا ، فلمّا لم يجز على ربّنا أن يعيب ما صنع ولا يسخط ما يفعل علمنا أنّ أفعال العباد غير فعل ربّ العالمين.
وأيضا ؛ فإنّ الله قال في كتابه : (وَلا يَرْضى لِعِبادِهِ الْكُفْرَ) (١) وقال : (ذلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا ما أَسْخَطَ اللهَ وَكَرِهُوا رِضْوانَهُ) (٢) فالله أحكم وأعدل من أن يسخط في فعله ، ويغضب من خلقه ، ويفعل ما لا يرضى به.
وأيضا فإنّ الفاعل للفاحشة والظلم والكفر أكثر استحقاقا للذمّ من الأمر بالفاحشة أو الكفر ، فلمّا كان الأمر بالكفر والظلم والفواحش غير حكيم كان الفاعل لذلك والمحدث له غير حكيم ، فلمّا كان الله أحكم الحاكمين علمنا أنّه غير فاعل للكفر ، ولا محدث للظلم ، ولا مبتدع للقبائح ، ولا مخترع للفواحش ، وثبت أنّ الظلم فعل الظالمين ، والفساد فعل المفسدين ، والكذب فعل الكاذبين وليس شيء من ذلك فعل ربّ العالمين.
وأيضا ؛ فإنّه لا تخلو أفعال العباد من أن تكون كلّها فعل ربّ العالمين لا فاعل لها غيره ، أو أن تكون فعله وفعل خلقه وكسبهم ، أو أن تكون فعل العباد وليست بفعل الله ، فلمّا لم يجز أن يكون الله تعالى منفردا بالافعال ولا فاعل لها غيره ؛ لأنّه لو كان كذلك كان لا يجوز إرسال الرسل وإنزال الكتب ولبطل الأمر والنهي ، والوعد والوعيد ، والحمد والذمّ ؛ لأنّه لا فعل للعباد ، وأوجب أيضا أن يكون هو الفاعل لشتم نفسه ، وللعن أنبيائه ، وللفسوق والفجور ، والكذب والظلم ، والعبث والفساد ، فلو كان ذلك منه وحده كان هو الظالم والكاذب والعابث والمفسد ، إذ كان لا فاعل للظلم والعبث والكذب والفساد غيره ، ولو كان فاعلا لما فعله العباد كان هو الفاعل للظلم الذي فعله العباد والكذب والعبث والفساد وكان يجب أن يكون ظالما كما أنّهم ظالمون ، وكان عابثا مفسدا إذ لم يكونوا الفاعلين لهذه الامور دونه ، ولا هو الفاعل لها دونهم.
__________________
(١) سورة الزمر ، الآية : ٧.
(٢) سورة محمّد ، الآية : ٣٨.