أمر الله العباد بالإيمان ونهاهم عن الكفر ولم يجز أن يأمرهم بأن يفعلوا طولهم وقصرهم وألوانهم وصورهم علمنا أنّ هذه الامور فعل الله ، وأنّ الطاعة والمعصية والإيمان والكفر فعل العباد.
وأيضا فلو جاز أن يفعل العبد فعل ربّه ، وأن يكسب خلق إلهه ـ كما قال مخالفونا إنّ العباد فعلوا فعل ربّهم ـ لجاز أن يكون كلامهم كلام الله ، فيكون كلام العبد كلام ربّه كما كان كسب العبد فعل خالقه ، فلمّا لم يجز أن يكون كلام العبد كلام خالقه لم يجز أن يكون فعل العبد فعل إلهه ، ولا كسب العبد صنع خالقه ، فثبت أنّ أفعال العباد غير فعل ربّ العالمين.
وأيضا ؛ فإنّه لا يخلو الظلم في قولهم وفعلهم من أن يكون بخلقه تعالى [فيكون الظالم لا ظالما ومصيبا بذلك لا مخطئا] (١) فلو كان الله بخلقه الظلم عادلا أيضا كان الظلم عدلا وصوابا ؛ لأنّه لا يجوز أن يصيب إلّا بفعل الصواب ، ولا يعدل إلّا بفعل العدل ، ولو كان الكفر والظلم صوابا وعدلا كان الكافر والظالم مصيبين عادلين بالظلم ولا مصيب بفعل الكفر والظلم ، فثبت أنّ الله لا يجوز أن يفعل الظلم والخطأ والفسوق والفجور بوجه من الوجوه ولا بسبب من الأسباب.
وأيضا فلو جاز أن يفعل الله الظلم ولا يكون ظالما لجاز أن يخبر بالكذب بقوله ولا يكون كاذبا ، فلمّا لم يجز أن يكون الله يقول الكذب ؛ لأنّ القائل المخبر بالكذب كاذب ، كذلك لم يجز أن يفعل الظلم ؛ لأنّ الفاعل للظلم ظالم ، فلمّا لم يجز أن يكون «عزوجل» ظالما لم يجز أن يكون للظلم فاعلا ، فثبت أنّ الظلم ليس من فعل الله ولا الكذب من قوله سبحانه.
وأيضا ؛ فإنّ الله سخط الكفر وعابه وذمّ فاعله ولا يجوز على الحكيم أن يذمّ العباد على فعل ولا يعيب صنعه ولا يسخط ، بل يجب أن يرضى بفعله ؛ لأنّ
__________________
(١) هذه الجملة جاءت في بعض النسخ هكذا : بخلقه الظلم عادلا او ظالما أو مصيبا بذلك أو مخطئا.