[في الفرق بين الأصول والفروع في جواز التعبّد بخبر الواحد]
فأمّا القرآن فإثباته ـ وهو معجز دالّ على صدق الرسالة ـ بخبر الواحد لا يجوز ؛ لأنّ الثّقة بنبوّته وصدقه لا تحصل إلّا مع الثقة بمعجزته ، ولو فرضنا أنّ نبوّته صلىاللهعليهوآلهوسلم تثبت بغير القرآن من المعجزات لجاز إثبات القرآن بخبر الواحد.
فأمّا إثبات النبوّات بخبر الواحد فإنّه غير جائز ؛ لأنّ ذلك ينتقض بخبر الواحد ، ولأنّه لا طريق إلى وجوب العمل بقول النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم إلّا العلم المعجز الدالّ على الصدق وحصول الثقة.
وأمّا تفريقهم بين قبول الشهادة وقبول خبر الواحد فليس بصحيح ؛ لأنّا نقبل الشهادة في الحدود ، وهي مختصّة بمصالح الدين ، وخارجه عمّا يجوز فيه الصلح والتراضي. وكذلك يقبل قول المفتي فيما يختصّ بمصالح الدين.
وبعد ؛ فإنّ العقل يحظر انتزاع ملك زيد ودفعه إلى عمرو ، وبالشهادة يفعل ذلك.
ويقال لهم فيما تعلّقوا به سابعا : إنّه جائز من جهة العقل أن يتعبّد الله تعالى بالعمل بخبر الفاسق ، ولا فرق في الجواز بين العدل والفاسق ، وإذا جعلنا قول المخبر كالسبب أو الشرط في العبادة جازت العبادة عقلا بالعمل بقول من يغلب في الظّنّ كذبه ، كما يجعل زوال الشمس وطلوع الفجر سببا للأحكام.
فإن قيل : إذا كان لا بدّ من تمييز الحجّة من الشبهة ، فكيف يتميّز ذلك في خبر الواحد؟.
قلنا : بأن يجعل لأحد الخبرين أمارة يميّز بها من الآخر.
[التاسع] : فصل في إثبات التعبّد بخبر الواحد أو نفي ذلك.
الصحيح أنّ العبادة ما وردت بذلك ، وإن كان العقل يجوز التعبّد بذلك ، وغير محيل له ، على ما مضى في الباب الأوّل ، ووافق على ذلك كلّ من منع