سورة الفاتحة
[متشابه فاتحة الكتاب]
بسم الله الرّحمن الرّحيم
إن سأل سائل فقال : ما الوجه في تكرير قوله تعالى : (الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) وكلاهما يفيد معنى واحدا ، واشتقاقهما من الرحمة ، وقد كان في ذكر أحدهما كفاية عن الآخر.
الجواب :
قلنا : في ذلك وجوه :
أوّلها : أنّ قولنا : «الرحمن» أبلغ في المعنى وأشدّ قوة من قولنا : «الرحيم» وهذا المثال ممّا وضعه أهل اللغة للمبالغة والقوّة ، ألا ترى أنّهم يقولون : سكران وغضبان وعطشان [وجوعان] لمن امتلىء سكرا وغضبا وعطشا واشتدّ جوعه؟ وهذا الوجه ذكره المبرّد.
وثانيها : أنّ «الرحمن» يفيد عموم الرحمة بالعباد في الدنيا ، و «الرحيم» يختصّ بالمؤمنين في الأخرة ، يقوّى هذا الوجه في قوله تعالى : (وَكانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً) (١) ، فإذا كان بينهما هذا الفرق فذكرهما واجب.
وثالثها : أنّ قولنا : «رحمن» يشترك فيه اللغة العربية والعبرانية والسريانية ، وقولنا : «رحيم» يختصّ بالعربية ، فأراد تعالى أن يصف ، فعبّر بالرحمة بالوصف الخاصّ والمشترك حتى لا تبقى شبهة.
ورابعها : أنّ «الرحمن» من الأوصاف التي يختصّ بها القديم تعالى ، ولا
__________________
(١) سورة الأحزاب ، الآية : ٤٣.