الملحدة والبراهمة واليهود إلى صدقهم ، وإن اضطرّوا إلى العلم بما يخبرون به من البلدان وما أشبهها.
ودليلهم على الشرط الثالث أنّه لو لم يكن ذلك معتبرا ، لجاز أن يكون في الناس من يخبره الجماعة الكثيرة عن مشاهدة ولا يعلم مخبرهم ، وتجويز ذلك يقتضي أن يصدّق من خبّرنا عن نفسه بأنّه لا يعلم أن في الدنيا بلدا يعرف بمصر وما جرى مجراها.
[شبهة البلخي والجواب عنها]
وأمّا البلخي فإنّه يتعلّق في نصرة مذهبه بأن يقول : لا يجوز أن يقع العلم الضروريّ بما ليس بمدرك ، ومخبر الإخبار عن البلدان أمر غائب عن إدراك من لم يشاهد ذلك ، فلا يجوز أن يكون ضروريّا ؛ لأنه لو جاز أن يكون العلم بالغائب عن الحواسّ ضروريّا ، جاز أن يكون العلم بالمحسوس مستدلّا عليه.
وربما تعلّق في ذلك بأنّ العلم بمخبر الأخبار إنّما يحصل بعد تأمّل أحوال المخبرين بها وصفاتهم ، فدلّ ذلك على أنّه مكتسب.
فيقال له في شبهته الأولى : لم زعمت أنّ العلم بالغائب عن الحسّ لا يكون ضروريّا؟! أو ليس الله تعالى قادرا على فعل العلم بالغائب عن الحسّ مع غيبته؟! فما المنكر من أن يفعله بمجرى العادة عند إخبار جماعة مخصوصة؟! وليس له أن يدعي أن ذلك ليس في مقدوره ، كما يقول : إنّ العلم بذاته لا يوصف بالقدرة عليه ؛ لأنّه يذهب إلى أنّ العلم بالمدركات قد يكون من فعل الله تعالى على بعض الوجوه ، وليس يفعل العلم بذلك إلّا وهو في مقدوره ، وليس كذلك على مذهبه العلم بذاته تعالى ؛ لأنّه لا يصحّ وقوعه منه على وجه من الوجوه. وعلى هذا أي فرق بين أن يفعل العلم بالمدرك عند إدراكه ، وبين أن يفعل هذا العلم بعينه عند بعض الأخبار عنه؟! وإنّما لم يجز أن يكون المشاهد مستدلّا عليه ؛ لأنّه