وأيضا قوله تعالى : (مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِها أَوْ دَيْنٍ) (١) وهذا عام في الأقارب والأجانب فمن خصص به الأجانب دون الأقارب فقد عدل عن الظاهر بغير دليل.
وأيضا ؛ فإن هذا إحسان إلى أقاربه وقد ندب الله سبحانه إلى كلّ إحسان عقلا وسمعا ولم يخص بعيدا من قريب بذلك ، ولا فرق بين أن يعطيهم في حياته من ماله وفي مرضه وبين أن يوصي بذلك ؛ لأنّه إحسان إليهم وفعل مندوب إليه.
فإن قالوا : فإن الآية منسوخة بآية المواريث وبما يروي عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم من طرق مختلفة من أنه لا وصية لوارث. فالجواب عن ذلك أن النسخ بين الخبرين إنما يكون إذا تنافى العمل بموجبهما ولا تنافي بين آية المواريث وآية الوصية ، والعمل بمقتضاهما جميعا جائز سايغ ، فكيف يجوز أن يدعي في آية المواريث أنها ناسخة لآية الوصية مع فقد التنافي ، فأما الأخبار المروية في هذا الباب فلا اعتراض بها ، لأنها إذا سلمت من كلّ قدح وجرح وتضعيف كانت تقتضي الظن ولا تنتهي إلى العلم اليقين ، ولا يجوز أن ينسخ بما يقتضي الظنّ كتاب الله تعالى الذي يوجب العلم اليقين ، وإذا كنّا لا نخصص كتاب الله بأخبار الآحاد فالأولى أن لا ننسخه بها ، وقد بيّنا ذلك في كتابنا في أصول الفقه وبسطناه (٢) (٣).
ـ (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ كَما كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (١٨٣) أَيَّاماً مَعْدُوداتٍ فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (١٨٤)) [البقرة : ١٨٣ و ١٨٤].
[فيها أمور :]
[الأوّل : استدلّ السيّد بهذه الآية على اعتبار الاهلة في المواقيت دون العدد ، قال :] فأخبر بأنّ الصوم المكتوب علينا نظير الصوم المكتوب على من
__________________
(١) سورة النساء ، الآية : ١١.
(٢) الذريعة ، ١ : ٤٦١.
(٣) الانتصار : ٣٠٨.