قبلنا ، وقد علم أنّه عني بذلك أهل الكتاب ، وأنّهم لم يكلفوا في معرفة ما كتب عليهم من الصيام إلّا العدد والحساب ، وقد بيّن الله تعالى ذلك بقوله في الآية : (أَيَّاماً مَعْدُوداتٍ). وهذا نصّ من الكتاب في موضع الخلاف ، يشهد بأنّ فرض الصيام المكتوب أيام معدودة ، حسب ما اقتضاه التشبيه بين الصومين ، وما فسّره بقوله : (أَيَّاماً مَعْدُوداتٍ) فإذا وجب ذلك فالمحفوظ من العبادات محفوظ بعدده ، محروس بمعرفة كمّيته ، لا يجوز عليه تغييره ما دام فرضه لازما على وجه.
فهذا هو الذي نذهب إليه في شهر رمضان ، من أنّ نية معرفته بالعدد والحساب ، وأنّه محصور بعدد سالم من الزيادة والنقصان ، ولو لا ذلك لم يكن لقوله تعالى : (أَيَّاماً مَعْدُوداتٍ) معنى يستفاد.
يقال له : ما رأينا أبعد عن الصواب وموقع الحجّة من هذا الاستدلال ؛ لأنّ الله تعالى إنّما جمع بين ما كتبه علينا من الصيام ، وبين ما كتبه على من كان قبلنا ، وتشبه أحدهما بصاحبه في صفة واحدة وهي أنّ هذا مفروض مكتوب ، كما أنّ ذلك مفروض مكتوب ، فجمع في الايجاب والالزام ، ولم يجمع بينهما في كلّ الصفات.
ألا ترى أنّ العدد فيما فرض علينا من الصيام ، وفيما فرض على اليهود والنصارى مختلف غير متّفق ، فكيف يدعى أنّ الصفات والأحكام واحدة.
على أنّا لو سلمنا أنّ الآية تقتضي التشبيه بين الصومين في كلّ الأحوال ـ وليس الأمر كذلك ـ لم يكن لهم في الآية حجّة ؛ لأنّا لا نعلم أنّ فرض اليهود والنصارى في صومهم العدد دون الرؤية ، واليهود يختلفون في طريقتهم إلى معرفة الشهورة فمنهم من يذهب إلى أنّ الطريق هو الرؤية ، وآخرون يذهبون إلى العدد ، وإذا لم يثبت أنّ أهل الكتاب كلّفوا في حساب الشهور العدد دون الرؤية ، سقط ما بنوا الكلام عليه وتلاشى.
فأمّا قوله تعالى : (أَيَّاماً مَعْدُوداتٍ) فلم يرد به أنّ الطريق إلى إثبات هذا ؛ ييظظ الصيام وتعيينه هو العدد دون الرؤية ، وإنّما أراد تعالى أحد أمرين : إمّا أن