ذلك ، ولهذا يقولون : قد بيّنت لك هذا الشيء ، فما تبيّنته ، فلو كان البيان هو العلم ؛ لكان هذا الكلام متناقضا. وهذا خلاف في عبارة ، والخلاف في العبارات ليس من المهمّات (١).
[الرابع] : فصل في أنّ تخصيص العموم لا يمنع من التعلّق بظاهره
اختلف العلماء في قوله تعالى : (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما) (٢) وما أشبهه : فقال قوم : بأيّ شيء خصّ صار مجملا يحتاج إلى بيان ، وإلى ذلك ذهب عيسى بن أبان. وقال آخرون : يصحّ مع التّخصيص التعلّق بظاهره ، وهو قول الشافعي وبعض أصحاب أبي حنيفة. ومنهم من قال : متى خصّ باستثناء ، أو بكلام متّصل ؛ صحّ التعلّق به ، وإذا كان التّخصيص بدليل منفصل فلا تعلّق به ؛ وهو قول أبي الحسن الكرخيّ. وكان أبو عبد الله الحسن بن عليّ البصري يقول. إذا كان التخصيص لا يخرج الحكم من أن يكون متعلّقا بالاسم على الحدّ الّذي تناوله الظّاهر ؛ فإنّه يحلّ محلّ الاستثناء في أنّه لا يمنع من التعلّق بالظاهر. فمتى كان التخصيص مانعا من أن يتعلّق الحكم بالاسم ، بل يحتاج إلى صفة أو شرط حتّى يتعلّق الحكم به ، فيجب أن يمنع ذلك من التعلّق بظاهره. ويقول في قوله تعالى : (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ) (٣) : قد ثبت أنّ القطع لا يتعلّق بالاسم ، بل يحتاج إلى صفات وشرائط حتّى يتعلّق القطع ، وتلك الشرائط والصفات لا تعلم إلّا بدليل ، فجرت الحاجة إلى بيان هذه الصفات والشروط مجرى الحاجة إلى بيان المراد بقوله تعالى : (وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ) (٤). ويقول : لا شبهة في أنّ القطع محتاج إلى أوصاف سوى السرقة ، فجرى ذلك مجرى أن يحتاج القطع إلى أفعال سوى السرقة ، ولو كان كذلك ؛ لمنع من
__________________
(١) الذريعة ، ١ : ٣٢٩.
(٢) سورة المائدة ، الآية : ٣٨.
(٣) سورة المائدة ، الآية : ٣٨.
(٤) سورة البقرة ، الآية : ٤٣.