التعلّق بالظاهر ، فكذلك الأوصاف. وهذه الطريقة أقوى شبهة من كلّ شيء قيل في هذا الباب.
والّذي نقوله : انّ كلّ خطاب لو خلّينا وظاهره لكنّا نفعل ما أريد منّا ، وإنّما كنّا نخطىء في ضمّ ما لم يرد منّا إلى ما أريد ؛ فيجب أن يكون المحتاج إليه في بيانه التّخصيص ، والأصل ممكن التعلّق بظاهره ، وكلّ خطاب لو خلّينا مع ظاهره ، لما أمكن تنفيذ شيء من الأحكام على وجه ولا سبب ؛ فيجب أن يحتاج في أصله إلى بيان. ومثال الأوّل قوله تعالى : (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ)؛ لأنّا لو خلّينا وظاهره ؛ لقطعنا من أراد منّا قطعه ومن لم يرد. وكذلك قوله تعالى : (فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ) (١) ؛ لأنّا لو عملنا بالظّاهر لقتلنا من أراد قلته ومن لم يرد ، فاحتجنا إلى تمييز من لا يقتل ولا يقطع ، دون من يقتل أو يقطع. ومثال الثّاني قوله تعالى : (أَقِيمُوا الصَّلاةَ)، وقوله جلّ اسمه : (وَالَّذِينَ فِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ (٢٤) لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (٢٥)) (٢) ؛ لأنّا لو خلّينا والظّاهر ، لما أمكننا أن نعلم شيئا ممّا أريد منّا ، فاحتجنا إلى بيان ما أريد منّا ؛ لأنّا غير مستفيدين له من ظاهر اللفظ ، وفي الأوّل الأمر بخلافه ، وجرى ذلك مجرى الاستثناء إذا دخل على العموم ، أو غيره من الأدلّة المنفصلة ، في أنّه وإن جعل الكلام مجازا ، فالتعلّق بالظّاهر في الباقي صحيح ممكن.
وإنّما دخلت الشبهة في هذا الموضع ، من جهة أنّ البيان في آية السّرقة وقع فيمن يقطع ، لا فيمن لا يقطع ، وفي صفات السّرقة الّتي يجب بها القطع ، لا في صفة ما لا يجب به القطع ، فأشكل ذلك على من لم ينعم النّظر ، فظنّ أنّه مخالف للتخصيص في قوله تعالى : (فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ) وما جرى مجراه.
والوجه الّذي من أجله علّقوا الشروط بما يجب به القطع دون ما لا يجب فيه القطع هو طلب الاختصار ، والعدول عن التطويل.
ولمّا كان الغرض تمييز من يقطع ممّن لا يقطع ، ولم يمكن التّمييز باستثناء الأعيان ؛ عدل من تمييزه بالأعيان إلى تمييزه بالصّفات.
__________________
(١) سورة التوبة ، الآية : ٥.
(٢) سورة المعارج ، الآيتان : ٢٤ و ٢٥.