إنّ لهذين المذهبين موارد قوّة وضعف في ما كانا يطرحانه فقد كانت القوّة تكمن في نقد واعتراض أحدهما على الآخر ولكن الضعف كان يكمن في دفاعهما عن مذهبهما واعتباره مذهبا جامعا وشاملا (١).
وعلى كلّ حال فقد كان مذهب المعتزلة هو المذهب الأكثر استقطابا في مدينة بغداد أيّام السيّد المرتضى. وكانت أكثر المناضرات تجري مع هذا المذهب الكلامي (٢).
٢ ـ مدرسة الريّ وقم (٣) :
لقد بدات المدارس العلميّة الشيعية كما ذكر من مدينة الكوفة ثمّ انتقلت إلى المدن الأخرى ، ومن هذه المراكز الّتي تحوّلت بعد ذلك إلى مدرسة مهمّة في معارف أهل البيت عليهمالسلام مدينتي الري وقم.
إنّ أوّل من نقل آثار الكوفة إلى قم إبراهيم بن هاشم (٤). وقد كان أحد أسباب انتقال «مدرسة أهل البيت» من العراق إلى «إيران» هو الضغط الشديد الّذي كان يلاقيه فقهاء الشيعة وعلماؤهم من العبّاسيّين ، فقد كانوا يطاردون من يظهر باسم الشيعة بمختلف ألوان الأذى والتهمة (٥).
فالتجأ فقهاء الشيعة وعلماؤها إلى قم والري ، ووجدوا في هاتين البلدتين ركنا آمنا يطمئنون إليه لنشر فقه أهل البيت عليهمالسلام وحديثهم.
ويظهر أن «قم أوان عصر الغيبة ، وعهد نيابة النوّاب الأربعة كانت حافلة بعلماء الشيعة وفقهائها ، ومركزا فقهيّا كبيرا من مراكز البحث الفقهي ، حتّى أن
__________________
(١) مقتبس من كتاب العدل الإلهي للشهيد مرتضى مطهّري ، المقدّمة.
(٢) لا يوجد في عصرنا الحاضر اتباع للمعتزلة.
(٣) لا بد أن يلاحظ هنا أن مقصودنا هو الخطّ الفكري الأخباري الّذي كان يغلب على مدرسة قم والري.
(٤) رجال النجاشي : ١٦ والفهرست للشيخ الطوسي : ٣٥.
(٥) منهم : أحمد بن محمّد بن خالد البرقي وأبوه ، راجع رجال النجاشي : ٧٦.