من الوضوح وقوّة العلم ونفي الشبهة ما ليس لغيره من وجوه الاستدلالات ، وللنّبي عليهالسلام أن يسأل ربّه تخفيف محنته وتسهيل تكليفه.
والّذي يبيّن صحة ما ذكرناه قوله تعالى : (أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قالَ بَلى وَلكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي.) فقد أجاب إبراهيم بمعنى جوابنا بعينه ، لأنّه بيّن أنّه لم يسأل ذلك لشكّ فيه وفقد إيمان به ، وإنّما أراد الطمأنينة ، وهي ما أشرنا إليه من سكون النفس وإنتفاء الخواطر والوساوس والبعد عن إعتراض الشبهة.
ووجه آخر : وهو أنّه قد قيل : انّ الله تعالى لمّا بشّر إبراهيم عليهالسلام بخلّته واصطفائه واجتبائه ، سأل الله تعالى أن يريه إحياء الموتى ليطمئنّ قلبه بالخلّة ؛ لأنّ الأنبياء عليهمالسلام لا يعلمون صحة ما تضمّنه الوحي إلّا بالاستدلال ، فسأل إحياء الموتى لهذا الوجه لا للشكّ في قدرة الله تعالى على ذلك.
ووجه آخر : وهو أن نمرود بن كنعان لمّا قال لإبراهيم عليهالسلام : إنّك تزعم أنّ ربّك يحيي الموتى ، وأنّه قد قال : أرسلك إليّ لتدعوني إلى عبادته ، فاسأله أن يحيي لنا ميتا إن كان على ذلك قادرا ، فإن لم يفعل قتلتك. قال إبراهيم عليهالسلام :
(رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى) فيكون معنى قوله : (وَلكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي) على هذا الوجه ، أي لآمن من القتل ويطمئنّ قلبي بزوال الروع والخوف. وهذا الوجه الّذي ذكرناه وإن لم يكن مرويا على هذا الوجه فهو مجوّز ، وإن جاز صلح أن يكون وجها في تأويل الآية مستأنفا متابعا.
ووجه آخر : وهو أنّه يجوز أن يكون إبراهيم إنّما سأل إحياء الموتى لقومه ليزول شكّهم في ذلك وشبهتهم. ويجري مجرى سؤال موسى عليهالسلام الرؤية لقومه ، ليصدر منه تعالى الجواب على وجه يزيل منه شبهتهم في جواز الرؤية عليه تعالى ، ويكون قوله : (لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي) على هذا الوجه ، معناه أنّ نفسي تسكن إلى زوال شكّهم وشبهتهم ، أو ليطمئنّ قلبي إلى إجابتك إياي فيما أسألك فيه. وكل هذا جائز ، وليس في الظاهر ما يمنع منه ؛ لأنّ قوله : (وَلكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي) ما تعلّق في ظاهر الآية بأمر لا يسوغ العدول عنه مع التمسّك بالظاهر ،