وما تعلّقت هذه الطمأنينة به غير مصرّح بذكره ، قلنا : إنّ تعلقه بكلّ أمر يجوز ان يتعلّق به.
فإن قيل : فما معنى قوله تعالى : (أَوَلَمْ تُؤْمِنْ)؟ وهذا اللفظ استقبال ، وعندكم أنّه كان مؤمنا فيما مضى.
قلنا : معنى ذلك أو لم تكن قد آمنت؟ والعرب تأتي بهذا اللفظ ، وإن كان في ظاهره الاستقبال ، وتريد به الماضي ، فيقول أحدهم لصاحبه : أو لم تعاهدني على كذا وكذا ، وتعاقدني على أن لا تفعل كذا وكذا؟ وإنّما يريد الماضي دون المستقبل.
فإن قيل : فما معنى قوله تعالى : (فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءاً ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْياً وَاعْلَمْ أَنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) ، قلنا : قد اختلف أهل العلم في معنى قوله تعالى : (فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ،) فقال قوم : معنى قوله فصرهن : أدنهنّ وأملهنّ.
قال الشاعر في وصف الإبل :
تظلّ معقلات السّوق خرصا |
|
تصور أنوفها ريح الجنوب (١) |
أراد انّ ريح الجنوب تميل أنوفها وتعطفها.
وقال الطرمّاح :
عفايف اذيال أوأن يصرّها |
|
هوى والهوى للعاشقين صؤر |
ويقول القائل لغيره : صر وجهك إليّ ، أي أقبل به عليّ.
ومن حمل الآية على هذا الوجه لا بدّ أن يقدّر محذوفا في الكلام يدلّ عليه سياق اللفظ ، ويكون تقدير الكلام : خذ أربعة من الطير فأملهنّ إليك ثمّ قطّعهن ثمّ اجعل على كل جبل منهنّ جزءا.
__________________
(١) راجع مجالس ثعلب ١ : ١٠ ، وفيه :
تظلّ معقلات السوق خوصا |
|
تنازع أنفها ريح الجنوب |