وليس يجب من حيث تعبّدنا الله بالعمل بخبر الواحد في غير النسخ ـ إذا سلّمنا ذلك وفرضناه ـ أن نعدّيه إلى النسخ بغير دليل ؛ لأنّ العبادة لا يمتنع اختصاصها بموضع دون موضع ، فمن أين إذا وقعت العبادة بالعمل به في غير النسخ ، فقد وقعت في النسخ ، وأحد الموضعين غير الآخر ، وليس هيهنا لفظ عام يدّعى دخول الكلّ فيه؟!.
وخلاف الشّافعيّ في أنّ السنّة المعلومة لا ينسخ بها القرآن ضعيف جدّا ، لا ندري كيف استمرّت الشبهة فيه؟.
والّذي يدلّ على فساد هذا المذهب أنّ السنّة المعلومة تجري في وجوب العلم والعمل مجرى الكتاب فكما ينسخ الكتاب بعضه ببعض ، كذلك يجوز فيه نسخه بها.
ولأنّ النسخ إنّما يتناول الحكم ، والسنّة في الدّلالة عليه كدلالة القرآن ، فيجب جواز النّسخ بها.
وليس لأحد أن يقول : إنّ السنّة تدلّ كدلالة القرآن ، لكنّها إذا وردت بحكم يضادّ القرآن ، أنزل الله تعالى قرآنا يكون هو الناسخ. وذلك أنّ هذه دعوى لا برهان لمدّعيها ، ومن أين أنّ الأمر على ذلك؟! ولو قدّرنا أنّه تعالى لم ينزل ذلك القرآن ، كيف كان يكون حال تلك السنّة؟ ، فلا بدّ من الاعتراف باقتضائها النسخ ، ثمّ إذا اجتمعا لم صار النّاسخ هو القرآن ، دون السنّة ، وحكم كلّ واحد من الدّليلين حكم صاحبه. وإذا كان نسخ الحكم بحكم يضادّه ، فلا فرق بين أن يكشف عن ذلك الحكم المضادّ سنّة ، أو قرآن.
فأمّا اختصاص القرآن بوجه الإعجاز ، فلا تأثير له في وجه دلالته على الأحكام ، ولذلك قد يدلّ على الأحكام منه القدر الّذي لا يبين فيه وجه الإعجاز. ولو كان هذا الفرق صحيحا ، لوجب مثله في ابتداء الحكم بالسنّة والتخصيص والبيان. ولو أنّه تعالى جعل دليل نبوّته إحياء ميّت ، ثمّ أنزل قرآنا ليس بمعجز ، لكان في الدلالة على الاحكام كهو الآن.
وقد اختلف كلام أصحاب الشافعيّ في هذه المسألة : فتارة يقولون : إنّ