٢) لقد ذكرنا فيما مضى أنّ أوّل حوزة علميّة حديثة وعلى الطريقة الّتي نلاحظها في عصرنا هذا كانت قد تأسّست على يد الشيخ المفيد.
ومع وفاة الشيخ المفيد رضوان الله عليه تسلم بعده السيّد المرتضى علم الهدى زعامة هذه الحوزة وتقلد منصب المرجعية للعالم الشيعي.
وقد كانت هذه المرتبة نفس المرتبة التي حصل عليها استاذه الشيخ المفيد رحمهالله ، لكن الملاحظ هو انّ العلماء المعاصرين للسيّد المرتضى ومن بعده كانوا قد نعتوه بمرتبة اجتماعية أكبر.
فقد كتب ابن بسام الأندلسي في كتابه «الذخيرة» : كان هذا الشريف إمام أئمّة العراق بين الاختلاف والاتفّاق ، إليه فزع علمائها وعنه اخذ عظمائها ، صاحب مدارسها وجماع شاردها وآنسها ممن سارت اخباره وعرفت له أشعارها.
وقد كتب أبو منصور الثعالبي : وقد انتهت الرئاسة اليوم ببغداد إلى المرتضى في المجد والشرف والعلم والأدب والفضل والكرم و...
وكتب ابن خلّكان : كان إماما في علم الكلام والأدب والشعر.
لذلك نحن نلحظ في السيّد المرتضى الزعامة والقيادة العامّة ، فهو ـ إضافة لمقام المرجعيّة والزعامة الشيعية ـ كان يمتاز بشعبية واسعة.
لقد كانت دروس الشيخ المفيد تقام في مسجده في الكرخ. وقد اتّسعت في هذا العصر المعارف واصبحت شاملة إلى مستوى شيد كلّ من السيّد الرضي والمرتضى دارا للعلم والتحقيق والمطالعة وتدريس طلاب العلوم الدينيّة ، وقد تزيّنت حلقات دروس أولئك الأعلام بوجوه العلماء والفقهاء والادباء من كافّة الطوائف الإسلامية. وخرجت من كونها خاصّة بطلّاب العلوم الدينية من الطائفة الشيعية.
هذا إضافة لما كان يبذله السيّد المرتضى من رواتب شهرية لطلّابه ليتمكّنوا من الدراسة والمطالعة والتحقيق بفراغ بال ، وأن لا يمنعهم مانع معاشي من الابتعاد عن حلقة الدرس والتحقيق.