أراد أو رياحا.
وقال آخر (١) :
فلو كان البكاء يردّ شيئا |
|
بكيت على بجير أو عفاق |
على المرأين إذ هلكا جميعا |
|
لشأنهما بشجو واشتياق |
أراد على بجير وعفاق.
وحكى المفضل بن سلمة هذا الوجه عن قطرب ، وطعن عليه بأن قال : ليس شيء يعلم أشدّ قسوة عند المخاطبين من الحجارة ، فينسق به عليها ؛ وإنّما يصحّ ذلك في قولهم : أطعمتك تمرا أو أحلى منه ، لأنّ أحلى منه معلوم.
واختار المفضل الوجه الذي يتضمّن أن «أو» بمعنى «بل».
وهذا الذي طعن به المفضّل ليس بشيء ، لأنّهم وإن لم يشاهدوا أو يعرفوا ما هو أشدّ قسوة من الحجارة فصورة قسوة الحجارة معلومة لهم ، ويصحّ أن يتصوّروا ما هو أشدّ قسوة منها ، وماله الزيادة عليها ؛ لأنّ قدرا ما إذا عرف صحّ أن يعرف ما هو أزيد منه أو أنقص ، لأنّ الزيادة والنقصان إنّما يضافان إلى معلوم معروف ، على أنّ الآية خرجت مخرج المثل ، وأراد تعالى بوصف قلوبهم بالزيادة في القسوة على الحجارة أنّها قد انتهت إلى حدّ لا تلين معه للخير على وجه من الوجوه ، وإن كانت الحجارة ربّما لانت وانتفع بها ، فصارت من هذا الوجه كأنّها أشدّ قسوة منها تمثيلا وتشبيها ، فقول المفضل : «ليس يعرفون ما هو أقسى من الحجارة» لا معنى له إذا كان القول على طريق المثل.
وبعد ؛ فإنّ الذي طعن به على هذا الجواب يعترض على الوجه الذي
__________________
ـ وهي القصيدة التي تسميها العرب : الفاضحة. والبيت من شواهد الكتاب (١ / ٥٢) استشهد به على نصب «ثعلبة» ، بإضمار فعل دل عليه ما بعده ؛ فكأنّه قال : أظلمت ثعلبة ، عدلت بهم طهية ، ونحوه من التقدير. وأورده أيضا في (١ / ٤٨٩) شاهدا على دخول «أم» عديلة للألف. وفي حاشية بعض النسخ : «كأنّه قال : أأخملت ثعلبة الفوارس فعدلت بهم طهية والخشاب!».
(١) البيتان في اللسان (عفق) ؛ ونقل عن ابن بري أنهما لمتمم بن نويرة ، وعفاق : اسم رجل أكلته باهلة في قحط أصابهم.