لَهَداكُمْ أَجْمَعِينَ) (١) وقوله : (وَلَوْ شاءَ اللهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ وَلكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ) (٢) ولو شاء لحال بينهم وبين ذلك ، ولو فعل ذلك لزال التكليف عن العباد ؛ لأنّه لا يكون الأمر والنهي إلّا مع الاختيار لامع الالجاء والاضطرار.
وقد بيّن الله ذلك بما ذكرنا من قوله : (إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْناقُهُمْ لَها خاضِعِينَ) (٣) فأخبر أنّه لو شاء لأكرههم على الإيمان.
وقد بيّن ذلك ما ذكرناه من قصّة فرعون وغيره أنّه لم ينفعهم الإيمان في وقت الاكراه.
وقد بيّن الله في كتابه العزيز أنّه لم يشأ الشرك ، وكذّب الذين أضافوا إليه ذلك ، فقال تعالى : (سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شاءَ اللهُ ما أَشْرَكْنا وَلا آباؤُنا وَلا حَرَّمْنا مِنْ شَيْءٍ) (٤) فأخبروا أنّهم إنّما أشركوا بمشيئة الله تعالى فلذلك كذّبهم ، ولو كانوا أرادوا أنّه لو شاء الله لحال بيننا وبين الإيمان لما كذّبهم الله ، قال الله تكذيبا لهم : (كَذلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذاقُوا بَأْسَنا) ـ يعني عذابنا ـ (قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنا) ـ يعني هل عندكم من علم أن الله يشاء الشرك ثم قال ـ (إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ) (٥) يعني تكذبون كقوله : (قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ) (٦).
وقال «عزوجل» : (ما لَهُمْ بِذلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ) (٧) يعني يكذبون.
وقال «عزوجل» : (وَقالَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شاءَ اللهُ ما عَبَدْنا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ نَحْنُ وَلا آباؤُنا وَلا حَرَّمْنا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ كَذلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ) (٨) خبّر أنّ الرسل قد دعت إلى الإيمان ، فلو كان الله
__________________
(١) سورة النحل ، الآية : ٩.
(٢) سورة البقرة ، الآية : ٢٥٣.
(٣) سورة الشعراء ، الآية : ٤.
(٤) سورة الأنعام ، الآية : ١٤٨.
(٥) المصدر نفسه.
(٦) سورة الذاريات ، الآية : ١٠.
(٧) سورة الزخرف ، الآية : ٢٠.
(٨) سورة النحل ، الآية : ٣٥.