المراد بها أنّا حكمنا بنجاستهم ، وخسة منزلتهم ، وايضاع أقدارهم لمّا كفروا وخالفوا ، فجروا بذلك مجرى القرود التي [لها] هذه الاحكام ، كما يقول أحدنا لغيره : «ناظرت فلانا وأقمت عليه الحجّة حتى مسخته كلبا» على هذا المعنى.
وقال آخرون : بل أراد بالمسخ أنّ الله تعالى غيّر صورهم وجعلهم على صور القرود على سبيل العقوبة لهم والتنفير عنهم.
وذلك جائز مقدور لا مانع له ، وهو أشبه بالظاهر وأمرّ عليه. والتأويل الأوّل ترك للظاهر ، وإنّما تترك الظواهر لضرورة وليست هاهنا.
فإن قيل : فكيف يكون ما ذكرتم عقوبة؟
قلنا : هذه الخلقة إذا ابتدأت لم تكن عقوبة ، وإذا غير الحيّ المخلوق على الخلقة التامّة الجميلة إليها كان ذلك عقوبة ؛ لأنّ تغيّر الحال إلى ما ذكرناه يقتضي الغمّ والحسرة.
فان قيل : فيجب أن يكون مع تغيّر الصورة ناسا قردة ، وذلك متناف.
قلنا : متى تغيّرت صورة الانسان إلى صورة القرد ، لم يكن في تلك الحال انسانا ، بل كان انسانا مع البنية الاولى ، واستحقّ الوصف بأنّه قرد لمّا صار على صورته ، وإن كان الحيّ واحدا في الحالين.
ويجب فيمن مسخ قردا على سبيل العقوبة أن يذمّه مع تغيّر الصورة على ما كان منه من القبائح ؛ لأنّ تغيّر الهيئة والصورة لا يوجب الخروج عن استحقاق الذمّ ، كما لا يخرج المهزول إذا سمن عمّا كان يستحقّه من الذمّ ، وكذا السمين إذا هزل.
فإن قيل : فيقولون : إنّ هؤلاء الممسوخين تناسلوا ، وأنّ القردة في أزماننا هذه من نسل أولئك.
قلنا : ليس يمتنع أن يتناسلوا بعد أن مسخوا ، لكن الإجماع على أنّه ليس شيء من البهائم من أولاد آدم ، ولولا هذا الاجماع لجوّزنا ما ذكروا.
[و] على هذه الجملة التي قرّرناها لا ينكر صحّة الأخبار الواردة من طرقنا