والّذي نقوله في هذا الباب : أنّ الشرط الخاصّ إذا تعقّب عموما فجائز أن يتعلّق ببعض ما تناوله العموم ، ويكون اللّفظ الأوّل على عمومه ، وجائز أن يكون المخاطب بالعموم إنّما أراد به بعض ما تناوله اللفظ ، وهو الّذي تعلّق الشرط به ، ومع الاحتمال للأمرين لا بدّ من دليل يعلم به أيّهما وقع.
والّذي يبيّن ما ذكرناه أنّ القائل إذا قال : «اضرب الرّجال إلّا من افتدى ضربك له بماله» وإن شئت : «اضرب الرجال إن لم يفتدوا ضربك بمالهم» حتّى يكون قد أثبت بحرف الشرط وإن كان المثال الأوّل فيه معنى الشرط ، وهذا شرط خاصّ لا يليق بجميع الرجال ؛ لأنّ لفظ الرجال يدخل فيه الحرّ والعبد ، والعبد لا يملك ، فالشرط الّذي تعقّب الكلام مخصوص لا يتعلّق إلّا بالأحرار ولا يجب أن يقطع على أن المخاطب بذلك أراد بقوله «الرجال» الأحرار والعبيد ، وإن خصّ بالشرط الأحرار ، كما لا يجب أن يقطع على أنّه أراد باللّفظ الأوّل الأحرار ، دون العبيد ، بل ذلك موقوف على الدلالة ، ومع فقدها لا يجب القطع على أحد الأمرين.
يوضح ما ذكرناه أنّ في كلّ واحد من الأمرين مجازا أو عدولا عن الظاهر ، ألا ترى أنّا إذا حملنا لفظة الرجال على الأحرار دون غيرهم ؛ كان مجازا ، وإذا حملناها على العموم ، وحملنا الشرط على بعض ما دخل تحتها ؛ كان ذلك أيضا مجازا وعدولا عن الظاهر من وجه آخر ؛ لأنّ تقدير الكلام إلّا أن يفتدي بعضهم بماله ضربك ، والظاهر يقتضي أن المفتدي هو المأمور بأن تضربه.
والكلام في الآية يجري على مثل ذلك ؛ لأنّ قوله تعالى : (وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ ما فَرَضْتُمْ إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ) متى حملنا الشرط على بعض المطلّقات ، صار تقدير الكلام إلّا أن يعفو بعضهنّ ، وظاهر الكلام يقتضي أنّ العفو يقع من جميع المطلّقات ، فبان أنّ القول محتمل للأمرين ، وما في كلّ واحد منهما إلّا ضرب من المجاز والعدول عن الظاهر.
فان قيل : فانّ الأمّة كلّها إنّما عملت في كلّ مطلّقة طلّقت قبل الدخول بها