كانَ اللهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَداهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ ما يَتَّقُونَ) (١) فأخبر أنّه لا يضلّ أحدا حتى يقيم الحجّة عليه ، فإذا ضلّ عن الحقّ بعد البيان والهدى والدلالة أضلّه الله حينئذ ، بأن اهلكه وعاقبه.
وأمّا الإضلال الذي ننفيه عن ربّنا تعالى فهو ما أضافه الله إلى غيره فقال : (وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُ) (٢) يقول : أضلّهم بأن دعاهم إلى عبادة العجل.
وقال : (وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَما هَدى) (٣) يريد أضلّهم بأن قال : (أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى) (٤) وأمرهم بالكفر ودعى إليه ، والله لا يأمر بعبادة غيره ولا يفسد عباده.
وقال : (فَوَكَزَهُ مُوسى فَقَضى عَلَيْهِ قالَ هذا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ) (٥).
وقال : (وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلًّا كَثِيراً أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ) (٦) يريد أنّه أفسد وغرّ وخدع ، والله لا يغرّ العباد ولا يظهر في الارض الفساد.
وقال يخبر عن أهل النار : إنّهم يقولون : (وَما أَضَلَّنا إِلَّا الْمُجْرِمُونَ) (٧) يريد ما أفسدنا ولا غيّرنا ولا بيّن الكفر والمعاصي إلّا المجرمون ، ولم يقولوا ما أضلّنا إلّا ربّ العالمين ، تعالى الله عن ذلك علوّا كبيرا!
وكلّ اضلال أضلّ الله به العباد فإنّما هو عقوبة لهم على كفرهم وفسقهم.
وأمّا من خالفنا زعموا أنّ الله تعالى يبتدىء كثيرا من عباده بالإضلال عن الحقّ ابتداءا من غير عمل ، وأنّ قولهم : إنّ عبدا مجتهدا في طاعة الله قد عبده مائة عام ثمّ لا يأمنه أن يضلّه عمّا هو عليه من طاعة فيخلق فيه من الكفر ، ويزين عنده الباطل ، وأن يعبد غيره مائة عام ويكفر به ثمّ لا يأمن أن يخلق في قلبه الإيمان فينقله عمّا هو عليه ، فليس يثق وليه بولايته ، ولا يرهب عدوّه من عداوته.
__________________
(١) سورة التوبة ، الآية : ١١٥.
(٢) سورة طه ، الآية : ٨٥.
(٣) سورة طه ، الآية : ٧٩.
(٤) سورة النازعات ، الآية : ٢٤.
(٥) سورة القصص ، الآية : ١٥.
(٦) سورة يس ، الآية : ٦٢.
(٧) سورة الشعراء ، الآية : ٩٩.