تمنّى ابنتاي أن يعيش أبوهما |
|
وهل أنا إلّا من ربيعة أو مضر (١) |
أراد : هل أنا إلّا من أحد هذين الجنسين ، فسبيلي أن أفنى كما فينا ؛ وإنّما حسن ذلك لأنّ قصده الذي أجري إليه ، وغرضه الذي نحاه وهو أن يخبر بكونه ممّن يموت ويفنى ، ولا يخلّ به إجمال ما أجمل من كلامه ، فأضرب عن التفصيل ؛ لأنّه لا فائدة فيه ، ولأنّه سواء كان من ربيعة أو مضر فموته واجب. وكذلك الآية ، لأنّ الغرض فيها أن يخبر تعالى عن شدة قسوة قلوبهم ، وأنّها ممّا لا تنثني لوعظ ، ولا تصغي إلى حقّ ، فسواء كانت في القسوة كالحجارة أو أشدّ منها ، فقد تمّ ما أجري إليه من الغرض في وصفها وذمّها ، وصار تفصيل تشبيهها بالحجارة وبما هو أشدّ قسوة منها كتفصيل كونه من ربيعة أو مضر ، في أنّه غير محتاج إليه ، ولا يقتضيه الغرض في الكلام.
ورابعها : أن تكون «أو» بمعنى «بل» كقوله تعالى : (وَأَرْسَلْناهُ إِلى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ) (٢) معناه : بل يزيدون.
وروي عن ابن عباس في قوله تعالى : (وَأَرْسَلْناهُ إِلى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ ؛) قال : كانوا مائة ألف وبضعا وأربعين
ألفا. وأنشد الفرّاء :
بدت مثل قرن الشمس في رونق الضّحا |
|
وصورتها ، أو أنت في العين أملح |
وقد تكون «أم» في الاستفهام أيضا بمعنى «بل» ، كقول القائل : أضربت عبد الله أم أنت رجل متعنّت؟ معناه : بل أنت رجل متعنت.
وقال الشاعر :
فو الله ما أدري أسلمي تغوّلت |
|
أم النّوم ، أم كلّ إليّ حبيب! |
معناه : بل كلّ.
وقد طعن بعضهم على هذا الجواب فقال : وكيف يجوز أن يخاطبنا تعالى
__________________
(١) ديوانه : ٢ / ١.
(٢) سورة الصافات ، الآية : ١٤٧.