والّذي يدلّ على جواز ورود العبادة بالعمل به أن يبيّن أن خبر الواحد يمكن أن يكون طريقا إلى معرفة الأحكام ، وأنّه يجري في جواز كونه دلالة مجرى الأدلّة الشرعيّة كلّها من كتاب وسنّة وإجماع ، وإن اختلف وجه دلالته كما اختلف وجوه هذه الأدلّة الشرعيّة ولم تخرج بهذا الاختلاف من كونها أدلّة ، وإنّما جاز أن يكون خبر الواحد دلالة بأن يدلّ القرآن أو السنّة على وجوب العمل به إذا كان المخبر به على صفة مخصوصة ، ألا ترى أنّه لا فرق في العلم بتحريم الشيء بأن يقول النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم : «إنّه حرام» وبين أن يقول : «إذا أخبركم عنّي بتحريمه فلان فحرّموه» ولا فرق بين ذلك ، وبين أن يقول : «إذا أخبركم عنّي بتحريمه من صفته كيت وكيت فحرّموه» ؛ لأنّه على الوجوه كلّها يعلم التحريم وإن اختلف.
وليس لأحد أن يقول : فامنعوا الغلط من الواحد إذا كان الأمر على ما ذكرتم ، وذلك أنّه غير ممتنع أن يجعل الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم قول الواحد دلالة مع جواز الغلط عليه. مثال ذلك أنّه صلىاللهعليهوآلهوسلم لو قال : «إذا أخبركم عنّي أبو ذرّ بشيء ، فهو حقّ» ، لكانت الثقة حاصلة عند خبره ، ولو قال صلىاللهعليهوآلهوسلم «اعملوا بما يخبركم به فلان ، فهو صلاح لكم» ، وجب العمل به ، وإن لم يحصل الثقة ، ويجري مجرى تعبّد الحاكم بأن يعمل بعلمه ، فتحصل له الثّقة ، وتعبّده بأن يعمل بالإقرار ، فلا تحصل الثّقة ، وان كان الحال إليها أقرب ، وتعبّده بأن يعمل بالبيّنة ، وهي عن الثقة أبعد من الإقرار.
وممّا يدلّ أيضا على جواز التعبّد بخبر الواحد أنّ العمل في كثير من العقليّات قد يتبع غلبة الظنّ فما الّذي يمنع عن مثل ذلك في الشرعيّات.
ويدلّ عليه أيضا ورود التعبّد بقبول الشهادات ، والاجتهاد في جهة القبلة ، وقبول قول المفتي ، وكلّ هذا من باب واحد.