قال : «زيد منطلق» و «قائمة هند» ، والآيات بخلاف هذا الموضع ؛ لأنّا متى جعلنا الكناية في قوله : (إِنَّها بَقَرَةٌ لا فارِضٌ) و (إِنَّها بَقَرَةٌ صَفْراءُ) و (إِنَّها بَقَرَةٌ لا ذَلُولٌ) متعلّقة بالحال والقصّة ، بقي معنا في الكلام ما لا فائدة فيه ولا يستقلّ بنفسه ؛ لأنّه لا فائدة في قوله : (بَقَرَةٌ صَفْراءُ) و (بَقَرَةٌ لا فارِضٌ ،) ولا بدّ من ضمّ كلام إليه حتّى يستقلّ ويفيد ، فإن ضممنا إلى قوله : (بَقَرَةٌ لا فارِضٌ) أو (بَقَرَةٌ صَفْراءُ) الّتي أمرتم بذبحها ، أفاد لعمري ، فبطل صرف الكناية إلى غير البقرة ، ووجب أن تصرف الكناية إلى البقرة حتّى لا يحتاج أن يحذف خبر المبتدأ ، والاكتفاء بما في الكلام أولى من تأويل يقتضي العدول إلى غيره ، وحذف شيء ليس بموجود في الكلام.
وممّا يدلّ على صحّة ما نصرناه أنّ جميع المفسّرين للقرآن أطبقوا على أنّ الصفات المذكورات للبقرة أعوز اجتماعها للقوم حتّى توصّلوا إلى ابتياع بقرة لها هذه الصفات كلّها بملء جلدها ذهبا ، ولو كان الأمر على ما قاله المخالفون لوجب أن لا يعتبر فيما يبتاعونه ويذبحونه إلّا الصفات الأخيرة ، دون ما تقدّمها ، ويلغى ذكر الصفراء ، أو الّتي ليست بفارض ولا بكر ، وأجمعوا على أنّ الصفات كلّها معتبرة ، فعلم أنّ البيان تأخّر وأنّ الصفات كلّها للبقرة الأولى.
فإن قيل : فلم عنّفوا على تأخير هم امتثال الأمر الأوّل ، وعندكم أن البيان للمراد بالأمر الأوّل تأخّر ولم قال سبحانه : (فَذَبَحُوها وَما كادُوا يَفْعَلُونَ.)
قلنا : ما عنّفوا بتأخير امتثال الأمر الأوّل ، وليس في القرآن ما يشهد بذلك ، بل كان البيان شيئا بعد شيء ، كلّما طلبوه واستخرجوه ، من غير تعنيف ، ولا قول يدلّ على أنّهم عصاة بذلك. فأمّا قوله تعالى في آخر القصّة : (فَذَبَحُوها وَما كادُوا يَفْعَلُونَ) فإنّما يدلّ على أنّهم كادوا يفرّطون في آخر القصّة وعند تكامل البيان ، ولا يدلّ على أنّهم فرّطوا في أوّل القصّة. ويجوز أن يكونوا ذبحوا بعد تثاقل ، ثمّ فعلوا ما أمروا به (١).
__________________
(١) الذريعة ، ١ : ٣٦٤.