البقرة الّتي تقدّم ذكرها ، وأمرهم بذبحها ، فأجيبوا عن غير ذلك. وسواء جعلوا الهاء في «إنّها» عن الشأن والقصّة ، أو عن البقرة الّتي أمروا ثانيا وثالثا بذبحها ، كيف يجوز أن يسألوا عن صفة ما تقدّم أمره لهم بذبحها ، فيترك ذلك جانبا ، ويذكر صفة ما لم يتقدّم الأمر بذبحه ، وإنّما أمروا أمرا مستأنفا به.
ولو كان الأمر على ما قالوه من أنّه تكليف بعد تكليف لكان الواجب لمّا قالوا : (ما هِيَ) وإنّما عنوا البقرة الّتي أمروا ابتداء بذبحها ، أن يقول لهم : أيّ بقرة شئتم ، وعلى أيّ صفة كانت ، وما أمرتكم بقبح بقرة لها صفة معيّنة ، والآن فقد تغيّرت مصلحتكم ، فاذبحوا الآن ما صفتها كذا وكذا. وإذا قالوا له : (ما لَوْنُها) يقول : أيّ لون شئتم ، وما أردت لونا بعينه ، والآن فقد تغيّرت المصلحة ، والّذي تؤمرون به الآن بقرة صفراء. ولمّا قالوا في الثالث : (ما هِيَ إِنَّ الْبَقَرَ تَشابَهَ عَلَيْنا) أن يقول : المأمور به صفراء ، على أيّ صفة كانت بعد ذلك ، وقد تغيّرت المصلحة ، فاذبحوا بقرة ، لا ذلول تثير الأرض ، إلى آخر الصفات. فلمّا عدل تعالى عن ذلك إلى نعت بعد آخر ، دلّ على أنّها نعوت للبقرة الأولى.
على أنّه لو جاز صرف الهاء في قوله تعالى : (إِنَّها) إلى الشأن والقصّة ـ وإن كان المفسّرون كلّهم قد أجمعوا على خلاف ذلك ؛ لأنّهم كلّهم قالوا : هي كناية عن البقرة المتقدّم ذكرها ، وقالت المعتزلة بالأسر : انّها كناية عن البقرة الّتي تعلّق التكليف المستقبل بذبحها ، ولم يقل أحد : انّها للقصّة والحال ـ لكان ذلك يفسد من وجه آخر : وهو أنّه إذا تقدّم ما يجوز أن تكون هذه الكناية راجعة إليه ، ولم يجر للقصّة والحال ذكر ، فالأولى أن تكون متعلّقة بما ذكر وتقدّم الإخبار عنه ، دون ما لا ذكر في الكلام له ، وإنّما استحسنوا الكناية عن الحال والقصّة في بعض المواضع ، بحيث تدعوا الضرورة ، ولا يقع اشتباه ، ولا يحصل التباس.
وبعد ، فإنّما يجوز إضمار القصّة والشأن بحيث يكون الكلام مع تعلّق الكناية بما تعلّقت به مفيدا مفهوما ؛ لأنّ القائل إذا قال : «إنّه زيد منطلق» و «إنّها قائمة هند» ؛ فتعلّقت الكناية بالحال والقصّة ، أفاد ما ورد في الكلام ، وصار كأنّه