يكون لكم في ذلك حجّة لو صحّ لكم أنّ الصفات كلّها كانت للبقرة الأولى.
قلنا هذا سؤال من لا يعرف عادة أهل اللغة في كناياتهم ؛ لأنّ الكناية في قوله : (ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما هِيَ) لا يجوز عند متأمّل أن يكون كناية إلّا عن البقرة الّتي تقدّم ذكرها ؛ لأنّه لم يجر ذكر لغيرها ، فيكنى عنه.
ولا يجوز على ما ذهب القوم إليه أن تكون كناية عن البقرة الّتي يريد تعالى أن يأمرهم بذبحها ثانيا ؛ لأنّهم لا يعرفون ذلك ، ولا يخطر لهم ببال ، فكيف يسألون عن صفة بقرة لا يعلمون أنه يؤمرون بذبحها؟ ويجري ذلك مجرى قول أحدنا لغلامه : «أعطني تفّاحة» فيقول غلامه : «بيّن لي ما هي» فلا يصرف أحد من العقلاء هذا الكناية إلّا إلى التفاحة المأمور بإعطائها.
ثمّ قال تعالى بعد ذلك : إنّه يقول : (إِنَّها بَقَرَةٌ لا فارِضٌ وَلا بِكْرٌ عَوانٌ بَيْنَ ذلِكَ) وقد علمنا أنّ الهاء في قوله تعالى : (إِنَّهُ يَقُولُ) هي كناية عنه تعالى ؛ لأنّه لم يتقدّم ما يجوز ردّ هذه الكناية إليه إلّا اسمه تعالى. فكذلك يجب أن يكون قوله تعالى : (إِنَّها) كناية عن البقرة المتقدّم ذكرها ، وإلّا فما الفرق بين الأمرين.
وكذلك الكلام في الكناية بقوله تعالى : (ما لَوْنُها)، وقوله : (إِنَّها بَقَرَةٌ صَفْراءُ) الكناية في قوله تعالى (ما هِيَ إِنَّ الْبَقَرَ تَشابَهَ عَلَيْنا)، ثمّ الكناية في قوله تعالى : (إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّها بَقَرَةٌ لا ذَلُولٌ تُثِيرُ الْأَرْضَ).
ولا يجوز ان تكون الكناية في قوله تعالى : (إِنَّها) في المواضع كلّها للقصّة والحال ؛ لأنّ الكناية في (إِنَّها) لا بدّ أن تتعلّق بما تعلّقت به الكناية في قوله : (ما هِيَ)، ولا شبهة في أن المراد بلفظة (هِيَ) البقرة الّتي أمرهم بذبحها ، فيجب أن يكون كناية الجواب تعود إلى ما كني عنه بالهاء في السؤال ، ولو جاز تعليق (إِنَّها) بالقصّة والشأن جاز تعليق (ما هِيَ) بذلك ، وجاز أيضا أن يكون الكناية في قوله تعالى : (إِنَّهُ يَقُولُ) عن غير الله تعالى ، ويكون عن الأمر والقصّة ، كما قالوا : «إنّه زيد منطلق» ، فكنوا عن الشأن والقصّة. وكيف يكون قوله : «إنّها كذا وكذا» كناية عن غير ما كني عنه بما هي وبما لونها ، أو ليس ذلك موجبا أن يكون جوابا عن غير المسؤول عنه؟ لأنّهم سألوا عن صفات