فإن قال قائل : فما معنى قول الله تعالى : (وَاللهُ خَلَقَكُمْ وَما تَعْمَلُونَ؟) (١).
قيل له : إنّما خبّر الله عن إبراهيم أنّه حاجّ قومه فقال لهم : (أَتَعْبُدُونَ ما تَنْحِتُونَ (٩٥) وَاللهُ خَلَقَكُمْ وَما تَعْمَلُونَ (٩٦)) (٢) يقول نحتم خشبا ثمّ عبدتموه ، على وجه التوبيخ ، ثمّ قال : (وَاللهُ خَلَقَكُمْ وَما تَعْمَلُونَ) يقول خلقكم وخلق الخشب الذي عملتموه صنما ، فسمّى الصنم الذي عملوه عملا لهم وإن كان الذي حلّ فيه من التصوير عملهم.
ولما ذكرناه نظائر من القرآن واللغة : فأمّا القرآن فقوله تعالى : (يَعْمَلُونَ لَهُ ما يَشاءُ مِنْ مَحارِيبَ وَتَماثِيلَ وَجِفانٍ كَالْجَوابِ وَقُدُورٍ راسِياتٍ) (٣) وإنّا عملهم حلّ في هذه الامور ، فأمّا الحجارة فهي خلق الله لا فاعل لها غيره.
ومن ذلك أيضا قوله : (وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنا) (٤) فالخشب خلق الله والعباد نجروه وعملوه فلكا وسفنا.
ومن ذلك أيضا قوله : (أَنِ اعْمَلْ سابِغاتٍ) (٥) فالحديد خلق الله ولكن العباد عملوه دروعا ، فعمل داود عليهالسلام حلّ في الحديد والحديد خلق الله.
وقال في الحيّة : (تَلْقَفْ ما صَنَعُوا) (٦) وإنّما يريد أنّها تلقف الحبال والعصي التي فيها صنعهم ، فكذلك قال : (أَتَعْبُدُونَ ما تَنْحِتُونَ (٩٥) وَاللهُ خَلَقَكُمْ وَما تَعْمَلُونَ (٩٦)) خلق الخشب الذي يعملون منه صنما ، لا أنّ العباد عملوا خلق الله ، ولا ان الله خلق أعمالهم.
وقد يقول القائل : فلان يعمل الطين لبنا ، ويعمل الحديد أقفالا ، ويعمل الخوص زبلا ، كذلك أيضا عملوا الخشب أصناما ، فجاز أن يقال : إنّها عمل لهم ، كما قيل : إنّهم يعملون الخوص والطين والحديد.
ثمّ إنّا نردّ هذا الكلام عليهم فنقول لهم : إذا زعمتم أنّ كفرهم خلقهم ،
__________________
(١) سورة الصافات ، الآية : ٩٦.
(٢) سورة الصافات ، الآيتان : ٩٥ ، ٩٦.
(٣) سورة سبأ ، الآية : ١٣.
(٤) سورة هود ، الآية : ٣٧.
(٥) سورة سبأ ، الآية : ١١.
(٦) سورة طه ، الآية : ٦٩.