وقال : (قالُوا أَنْطَقَنَا اللهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ) (١) ولم ينطق الحجارة والحركة والسكون.
وما أشبه ما ذكرناه كثير ، كذلك أيضا قوله : (بَدِيعُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) (٢) أراد الأزواج والأولاد والأجسام ؛ لأنّ هذا ردّ على النصارى ولم يرد الفجور والفسوق.
وما ذكرناه في اللغة مشهور ، قال لبيد بن ربيعة (٣) :
ألا كلّ شيء ما خلا الله باطل |
|
وكلّ نعيم لا محالة زائل |
ولم يرد أنّ الحقّ باطل ، ولا أنّ شعره هذا الذي قاله باطل ، وقد قال كلّ شيء وإنّما أراد بعض الاشياء ، ويقول القائل : «دخلنا المشرق فاشترينا كلّ شيء ورأينا كلّ شيء حسن» ، وإنّما أراد كلّ شيء ممّا اشتروا ، وكلّ شيء ممّا رأوا ، وكذا : (خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ) ممّا خلقه لا ممّا فعله عباده ؛ لأنّه لا يجوز أن يفعل العباد خلق ربّ العالمين.
ويقال لهم : إن كان يجب أن تكون أعمال العباد خلق الله لقول الله : (خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ) (٤) ، فيجب أن يكون كلّ خلقه حسنا لقوله : (الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ) (٥) فيجب أن يكون الشرك حسنا ، وكذلك الظلم والكذب والفجور والفسوق ؛ لأنّ ذلك عندهم خلق الله تعالى.
فإن قالوا : إنّ قوله : (الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ) إنّما أراد بعض الاشياء.
قيل لهم : فما أنكرتم أن يكون قوله : (خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ) إنّما وقع على كلّ شيء خلقه دون ما لم يخلقه ممّا يقدر عليه ويعلم أنّه لا يفعله وممّا يفعله عباده من الطاعة والمعصية.
__________________
(١) سورة فصلت ، الآية : ٢١.
(٢) سورة الأنعام ، الآية : ١٠١.
(٣) لبيد بن ربيعة العامرى الشاعر ، قدم على النبى صلىاللهعليهوآلهوسلم سنة وفد قومه فأسلم وحسن اسلامه ، وترك الشعر منذ اسلامه حتى موته ، وعمر طويلا ومات وهو ابن مائة واربعين سنة ، وقيل انه مات وهو ابن سبع وخمسين ومائة سنة ، وكانت وفاته سنة ٤١ ه على اشهر الاقوال (استيعاب : ٣ / ١٣٣٥).
(٤) سورة الأنعام ، الآية : ١٠٢.
(٥) سورة السجدة ، الآية : ٧.