والانس وما أشبه ذلك ولم يرد أنّه خلق الكفر والظلم والكذب ، إذ لم يجز أن يكون ظالما ولا كاذبا «عزوجل» وقد بيّن الله لنا صنعه فقال : (صُنْعَ اللهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ) (١) فلمّا لم يكن الكفر بمتقن ولا بمحكم ولا بحقّ ولا بعدل علمنا أنّه ليس من صنعه ؛ لأنّه متفاوت متناقض ، وقد قال تعالى : (وَلَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً) (٢) فأخبر أنّ الاختلاف لا يكون من عنده ، وقال تعالى : (ما تَرى فِي خَلْقِ الرَّحْمنِ مِنْ تَفاوُتٍ) (٣) والكفر متفاوت فاسد متناقض ، فثبت أنّه ليس من خلقه وأنّه عمل الكافرين.
فإن قال : فلم زعمتم أنّ قوله : (كُلِّ شَيْءٍ) قد خرج منه بعض الاشياء؟ قيل له : قد قال الله تعالى : (إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ) (٤) ولم يخلقها ، والإيمان الذي أمر الله به فرعون والكافرين لم يخلقه ، فثبت أنّ الأشياء أطلق في بعض دون بعض ، وقد قال الله تعالى : (وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ) (٥) ولم تؤت من ملك سليمان شيئا ، وإنّما أراد ممّا اوتيته هي دون ما لم تؤته.
وقال تعالى : (يُجْبى إِلَيْهِ ثَمَراتُ كُلِّ شَيْءٍ) (٦) وقد علمنا أنّه لم تجب إليه ثمرات الشرق والغرب ، وإنّما أراد ممّا يجبى إليه وكذلك قوله تعالى : (خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ) (٧) ممّا خلقه تعالى.
وقال تعالى : (فَتَحْنا عَلَيْهِمْ أَبْوابَ كُلِّ شَيْءٍ) (٨) وإنّما أراد ما فتح عليهم.
وقال تعالى : (تِبْياناً لِكُلِّ شَيْءٍ) (٩) ولم يرد تبيان عدد النجوم وعدد الانس والجنّ ، وإنّما أراد تبيان كلّ شيء ممّا بالخلق إليه حاجة في دينهم.
وقال تعالى : (تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّها) (١٠) ولم يرد أنّها تدمّر هودا والذين معه ، وإنّما أراد تدمّر من أرسلت لتدميره.
__________________
(١) سورة النمل ، الآية : ٨٨.
(٢) سورة النساء ، الآية : ٨٢.
(٣) سورة الملك ، الآية : ٣.
(٤) سورة الحج ، الآية : ١.
(٥) سورة النمل ، الآية : ٢٣.
(٦) سورة القصص ، الآية : ٥٧.
(٧) سورة الأنعام ، الآية : ١٠٢.
(٨) سورة الأنعام ، الآية : ٤٤.
(٩) سورة النحل ، الآية : ٨٩.
(١٠) سورة الأحقاف ، الآية : ٢٥.